زكاة الفطر.. أزمة كل عام
حسبُنا الله ونعم الوكيل في كل ضالٍّ ومضلٍّ، وكل جاهلٍ مستكبر، ومستنكفٍ أن يَسأل، أو يفتح مخَّه ليتعلمَ، أو يفهم.
أحاديثُ إخراجِ زكاةِ الفطرِ حبوبًا، كالشعير، والقمح، والأرزِ، وأيضًا من محصول الوقت كالبلح، كثيرة.. ويحلو لبعض مشايخنا، أن يسردوها ويرددوها على أسماعِنا كُلَّما اقتربت نهاية شهر رمضانِ الكريمِ.
في كلِّ عام نتفرجُ، متألمين، على هذا الشجار، الذي ينقلب إلى حملاتٍ مسعورةٍ، يشنها رموزُ السلفية، وغُلاةُ المتشددين، لإجبار الناس قسرًا على شراء الشعير وما أشبه لتقديمه للفقراء والمساكين كزكاةٍ.
نحن لا نكذب تلك الأحاديث النبوية الشريفة، حاشا للهِ، ولكننا ندعو إلى إعمال العقلِ، واستعمال الرخصة التي أتاحها لنا الرسول الكريم، صلوات ربنا وتسليماته عليه، بتقديم الزكاة نقودًا، لكي يستفيد منها المحتاج حسبما تقتضيه حاجته، فيشتري الفقير ملابس للعيد، أو يشتري غذاء بالأصناف التي تحتاجها أسرته، وقد يسدد بها ديونًا، أو أقساطًا.
أما الإخوة من المتشددين، وهواة الصيد في الماء العكر، ومعتادي تفجير الأزمات، وإحداث القلاقل فإنهم يروجون لآراء عفا عليها الزمن، وانتهت صلاحيتها منذ قرون، لا لشيء إلا لمجرد إشعال الفتن، وقلب الحقائق، وتفتيت الصف، وإثبات الجدارة !!
رأى دار الإفتاء
والحمد لله، أن لدينا دارًا للإفتاء، حسمت الأزمة مبكرًا، ووأدتها في مهدها. حيث دحضت الحجة الواهية التي تقول بأن النقود كانت موجودة في عهد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فإنه لم يخرج زكاة الفطر نقودًا.
فأجابت دار الإفتاء المصرية بأن الحديث الوارد بين كيفية إخراجها من السنة القولية التي فيها الأنواع التي يجوز إخراجها منها ولم ينص فيه على السنة العملية التي أخرجها النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه حتى نسلم بما ورد في السؤال.
ومع ذلك فإن الفقهاء من الصحابة والتابعين وأهل المذاهب لم يتقيدوا بهذه الأنواع الواردة بل ضبطوها بالنوع الذي هو غالب قوت أهل البلد.
وردا على سؤال: فَلِمَ لمْ يخرجها الصحابة ولا التابعون نقودًا؟، قالت: ليس ذلك صحيحًا؛ فقد أجاز إخراجها بالقيمة أميرُ المؤمنين عُمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، والحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين، وقد أخرج البخاري في "صحيحه" أنَّ معاذًا رضي الله عنه قال لأهل اليمن: "ائْتُونِي بِعَرَضٍ؛ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ؛ أَهوَنُ عَلَيكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ".
فأفاد أنه أخذ مِن أهل الزكوات ما يتوافق مع حاجة الفقراء والمساكين بدلًا عن جنس ما وجبت فيه الزكاة. أما التابعون فقد ذهب لجواز إخراجها بالقيمة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، والإمام طاوس، ووافقهما الإمامان الثوري والبخاري، وغيرهم.
تناقشت مع صديق حول هذا المسلسل الكوميدي، فأجاب إجابة مقنعة جدا: "لو أنا أعطيت للفقير أرزًا، سأشتريه من السوق بحوالي 35 جنيها، فإذا كان يحتاج شيئًا آخر، مثلا ملابس، أو نقود يسد بها دينا، أو صنفا آخر من الأكل، سيضطر لبيع الأرز بأقل من ثمنه الحقيقي بكثير لكي يقبل أحد شراءه منه.. إذن لن يكفي المقابل لسد حاجته.. وبالتالي لن تحقق الزكاة الهدف منها".. وأنا أُعقِّب: أليس في هذا مخالفة لسنة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم؟!
اعتبروا يا أولي الألباب.