نزيف الدراما المصرية
على مدار عقود كاملة، احتفظت مصر بمكانة الصدارة في قلوب وعقول أشقائنا العرب، وانتشرت اللهجة العامية، والفضل للدراما والأفلام المصرية، وعلى الشاشة البيضاء كنا قد تعرضنا لاحتلال بشع دام سنوات عجاف، تفشت خلالها عدوى أفلام البلطجة، وقلة الأدب، والانحطاط الأخلاقي، إلى أن قيض الله لمصر من انتشلها من تلك الهوة السحيقة، فلم نعد، تقريبا، نشاهد أفلاما، مثل: المدبح، واللمبي، والرغبة، وعبده موتة، وشارع الهرم، وغيرها.
الدراما كانت، ولا تزال، من أهم أدوات القوة الناعمة المصرية، بل كانت تمثل ما هو أشبه بالغزو اللذيذ لشعوب الأرض، ومنها من لا ينطقون العربية، ولا يفهمونها. ولكن شكلت الأفلام والمسلسلات، على مر العصور موقعا هاما في عناصر قوة مصر الشاملة، وارتبطت دائما فترات صعودها بفاعلية هذه القوة.
لكن بعض الاختيارات جانبها الصواب في السنوات الأخيرة، لشديد الأسف، فمثلا قبل 3 سنوات، كان هناك مسلسل يدعى نسل الأغراب، وجاء فاشلا بامتياز، وسقط من جميع الوجوه؛ تأليفا، وأداء، وتمثيلا، وإخراجا! والعام الماضي، عرض مسلسل جعفر العمدة، وكان على نفس المنوال والنهج الذي جانبه الصواب.
أما هذا العام، فأن إحدى الدول العربية منعت أحد المسلسلات من العرض على شاشاتها، وحولت العاملين فيه للتحقيق، بعد ملاحظة وجود ما وصف بأنه حوار بذيء بين اثنين من أبطال المسلسل، فضلا عن وقائع تسيء للمجتمع العربي، والشرقي، ولا تمثل السواد الأعظم منه.
علاقات شاذة
الأمر ذاته، تكرر في مسلسلات عرضت على شاشات مصرية، اعتمدت على تيمة لا وجود لها في المجتمع المصري، من تجارة المخدرات، والخيانة الزوجية، والدياثة، والبلطجة، والنصب، وغير ذلك من ألوان وضروب العلاقات الشاذة غير السوية؛ إضافة إلى مشاهد العنف والقتل، ونزيف الدماء غير المبرر؛ الأمر الذي يجعل المشاهد، يتصور أن كل البيوت والأسر تعيش في ذلك المستنقع الأخلاقي. وإننا بهذا نتصرف مثل من يطلق الرصاص على رأسه بنفسه، فينتحر.
للأسف فإن المؤلفون والمنتجون والمخرجون يدمرون البقية الباقية من قوتنا الناعمة، من حيث أرادوا المكسب المادي، والمعنوي.. وأضرب مثلا، بمسلسلات حق عرب، والعتاولة، وبيت الرفاعي، ونعمة الأفوكاتو.. وكلها لم أشاهد منها سوى لقطات من حلقات متناثرة، فكيف بمن تفرج عليها كاملة.
والسؤال لماذا يركز الجميع على شرائح شاذة في المجتمع، وفئات نادرة، وخطايا فردية؟! مصر تمتلك من النماذج الناجحة والفذة الكثير والكثير، فلماذا الإصرار على تشويه صورة المصري، وتلطيخ السمعة المصرية؟!
مطلوب تدخل سريع وحاسم من القيادات السياسية والثقافية لإنقاذ القوة الناعمة المصرية، ووقف نزيف الدراما، وأما عن الإعلانات فحدث ولا حرج، وهذا مجال مقال آخر، إن شاء الله.