متطلبات الصوم المقبول أمام الله (2)
يجب أن نقدم الله مع أصوامنا وعمل الرحمة لجميع الناس، وجميع الناس يقصد بهم الله البشر جميعًا بغض النظر عن جنسياتهم أو جنسهم أو دياناتهم أو ألوانهم أو مذاهبهم أو مراكزهم الاجتماعية. وعمل الرحمة مجالاته واسعة جدًا فى الحياة، مثل مساعدة المحتاجين فى تسديد احتياجاتهم، ومنها مساعدة الناس فى الحياة المعيشية أو الصحية أو تدبير محل إقامة لهم، أو مساعدة الأسر فى تعليم أبنائهم أو المساعدة فى تكاليف زواج إحدى الفتيات، بالإضافة إلى مساعدة البعض من المساجين فى تسديد ديونهم إذا أمكن مع الاهتمام بأسرهم في المجتمع.
وكل هذه الجوانب وأمثالها، أوصانا الرب بعمل الخير والرحمة معهم، ولذا يقول الكتاب المقدس "حسبما لنا فرصة، فلنعمل الخير للجميع، ولا سيما أهل الإيمان" (غلاطية 10:6).. لذلك يجب علينا أن نتذكر أن عمل الرحمة أوالخير، مُسجل ومحفوظ للإنسان أمام الله أولًا بأول، وسوف يكافئه عنه في حياته، وبعد ذلك في يوم الدينونة، ومن هنا جاء وعد الرب الذى يقول "طوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (متى 7:5).
ومع ذلك يؤكد الكتاب في موضع آخر على أن عمل الخير سوف يحصد الإنسان ثماره في أوقاته الخاصة التى يحتاج فيها إليها، كما أشار القديس بولس الرسول "فلا تفشل فى عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل" (غلاطية 9:6).
من جانب آخر فقبول الله لصوم الإنسان يتطلب العمل بوصاياه، ومعروف أن الله أعطانا الكتاب المقدس بوحى منه، ولكون الكتاب بوحى من الله، فنحن مطالبون بكل ما جاء فيه من تعاليم وتشريعات ووصايا إلهية، ونحول كل هذا إلى حياة معاشة، تظهر فى سلوكنا وأعمالنا الخفية والظاهرة، وتصديقًا لهذا قال الرب: "الكلام الذى أكلمكم به، هو روح وحياة" (يوحنا 63:6).
لذلك يجب علينا أن نقتنى الكتاب المقدس في بيوتنا، ونقرأه كل يوم بنظام وترتيب، وكذلك نتابع الكتاب المقدس من خلال الكنيسة التى تقدمه لنا يوميًا ونحول كل ما نقرأه وما نسمعه إلى حياة معاشة تجعلنا أناسًا روحانيين، وتُقبل أصوأمنا أمام الله، وتظهر ثمار إيماننا المسيحى وفاعلية الكتاب المقدس في حياتنا وتصديقًا لهذا: قال السيد المسيح له المجد "من ثمارهم تعرفونهم" (متى 16:7،20).
أما إذا صام الإنسان وتعب في صومه دون عمل بوصايا الله، صومه لا يُقبل منه أمامه وتكون وصايا الله التى لم يعمل بها هى سبب دينونة له، في حياته، وبعد ذلك في يوم الدينونة، كما قال الرب "الكلام الذى تكلمت به هو يدينه فى اليوم الأخير" (يوحنا 48:12).
إضافة إلى ذلك يجب أن يراعى الإنسان القيام بواجباته بأمانة، وفى كافة نواحى الحياة.. معروف أن الله رسم في تشريعاته الإلهية، بأن لكل إنسان حقوقًا، وكذلك عليه واجبات وتصديقًا لذلك، أوصى الكتاب المقدس قائلًا: "أعطوا الجميع حقوقهم" (رومية 7:13).
فقد يتهم الإنسان بصومه فقط، إلا أنه يتكاسل أو يهمل واجباته، أو البعض منها، مثال الواجب تجاه الوالدين والأخوة والأخوات أو مثال واجب تجاه الأسرة والأبناء، ومن جانب آخر، قد يهمل الإنسان واجباته تجاه الخدمة الروحية المسنودة إليه من الله بواسطة الكنيسة، أو يهمل واجب مسؤولية العمل أو الوظيفة المسنوده إليه فى قطاع عام أو قطاع خاص.
ومع ذلك قد يهمل الإنسان القيام بالواجب تجاه الدولة وحقوقها عليه كمسؤول أو موظف بغض النظر عن الدرجة والرتبة التى يتقلدها، وبناء عليه إذ قام الإنسان بواجباته المسنودة إليه بأمانة ودقة يقبل الله صومه ويساعده في القيام بواجباته أكثر وأكثر، ويكافئه على ذلك.
أما إذا أهمل الإنسان واجباته المسؤول عنها، لايقبل الله صومه، لأنه أهمل وتكاسل في القيام بواجباته ويكون هذا سبب دينونة عليه. وأختم مقالى بأن الصوم المقبول أمام الله، له متطلبات كما أشرنا في هذا المقال، ونطلب من الله أن يقبل صومنا هذا، ويجعله سبب بركة وخير وتقدم وازدهار لنا جميعًا، ولكنيستنا المقدسة، ولبلدنا العزيزة مصر، قيادة وشعبًا، وللعالم أجمع.. وكل صوم وجميع المصريين بخير وسلام.. وكل عام وحضراتكم بخير.