متطلبات الصوم المقبول أمام الله
تزامن هذا العام بدء صوم شهر رمضان الكريم، لدى إخوتنا المسلمين، وكذلك الصوم المقدس الكبير لدى أبنائنا الأقباط، لذلك بالأصالة عن نفسى وعن مجمع الآباء الكهنة بإيبارشية مغاغة والعدوة أتقدم بالتهنئة القلبية لجميع المصريين، قيادةً وشعبًا مسلمين وأقباطًا بهاتين المناسبتين، طالبًا من الله أن يتقبل أصوام هذا الشعب العظيم، لكى يرفع عن بلادنا العزيزة مصر، والأوبئة والأمراض والغلاء والحروب وأن ينعم علينا بالسلام والتقدم والأزدهار فى كل جوانب الحياة، حفظ الله مصر، قيادةً وشعبًا من كل شر ومكروه.
الصوم المقبول أمام الله
ينبغى على الإنسان أن يقرن صومه بالتوبة والرجوع لله، عن الخطايا والآثام. لأن صوم الإنسان فترة زمنية، انقطاعًا عن الأكل والشراب لمدة من الزمن، هذا أمر، تأمر به الوصايا الإلهية، لكن إذا صام الإنسان عن الأكل والشراب دون أن يصوم عن فعل الخطية والآثام، يكون صومه غير مقبول أمام الله، لذا قال الله للشعب قديمًا "لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟" (إشعياء 3:58).
فأجابهم الله موضحًا لهم بأنه لم يقبل صومهم، وذلك بسبب عدم توبتهم عن الخطايا والآثام، موضحًا ذلك لهم، بقوله: "ها إنكم فى يوم صومكم توجدون مسرةً، وبكل أشغالكم تسخرون. ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون.. هل تسمون هذا صومًا، ويومًا مقبولًا للرب" (إش 58).
أما إن أقرن الإنسان صومه عن الأكل والشراب بالتوبة والرجوع عن الخطايا ةالأثام إلى الله، يقبل الله صومه، وتأكيدًا على ذلك، أوصى الرب فى سفر يؤئيل النبى قائلًا: "أرجعوا إلىَ بكل قلوبكم، بالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وأرجعوا إلى الرب إلهكم، لأنه رؤوف ورحيم، بطئ الغضب وكثير الرأفة، ويندم على الشر" (يؤ 12:2،13).
لذلك يجب على الإنسان أن يلاحظ توبته أثناء صومه وبصفة دائمة، وذلك لكى يقبل الله صومه وتعبه، ويكافئه خيرًا. وذكر لنا الكتاب المقدس أمثلة عديدة من الناس، قبل الله أصوامهم، وذلك بسبب توبتهم الصادقة، وهم مثال صوم مدينة أهل نينوى على يد يونان النبى العظيم، وكذلك صوم شعب الله قديمًا، بقيادة عزرا الكاهن، ونحميا الوالى. بالإضافة إلى ذلك، صوم كنيستنا القبطية، قيادةً وشعبًا فى القرن العاشر الميلادى، وبسبب ذلك الصوم مع التوبة والإيمان والصلاة، حدثت معجزة نقل جبل المقطم بالقاهرة.
مشاركة العباد في الصوم
ننتقل إلى مطلب آخر من متطلبات الصوم المقبول لدى الله، هو مشاركة الناس أو العباد في الصوم. لأن الله فى تشريعه للصوم منذ أن خلق أبوينا الأولين آدم وحواء، شرع بأن يكون الصوم نباتيًا (تكوين 29:1). وكذلك شرع بأن يكون الصوم انقطاعيًا عن الأكل والشراب فترة من الزمن، ومع ذلك شرع، بأن يكون الصوم جماعيًا فى نفس الوقت (تك 17:2). أى لجميع الناس، رجالًا ونساءً، شبابًا وشاباتٍ، أطفالًا بنين وبناتٍ.
ولذا أمر قائلًا: "قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف، أجمعوا الشعب" (يؤ 15:2،16). وكذلك أمر الله في العهد الجديد بالصوم لجميع الناس، وذلك في إجابته لسؤال من تلاميذ القديس يوحنا المعمدان وقت أن قالوا له: "لماذا نصوم والفريسيون كثيرًا وأما تلاميذك فلا يصومون؟ قال لهم يسوع: ستأتى أيام حين يُرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون" (متى 14:9،15) و(مرقس 18:2،19) و(لوقا 32:5،33).
وبناءً عليه يجب أن يشارك الإنسان إخوته من الناس أو العباد فى الصوم وذلك بصومه صومًا نباتيًا، وصومًا انقطاعيًا، وصومًا جماعيًا أيضًا فى نفس الوقت.
الصوم والصلاة
ولا يفوتنا أن نشير بأن الصوم المقبول أمام الله يلزمه الالتزام بالصلاة. لأن الصوم والصلاة كل منهما وسيلة أو ركن من أركان العبادة المقدسة، ومن خلالهما نبرهن على إيماننا بالله وبوصية كل من الصوم والصلاة، وبهما نقدم العبادة لله، وتتقوى صلتنا وعلاقتنا العملية به. وتُستجاب طلباتنا وتُحل كافة مشاكلنا وضيقاتنا وهذا يتضح لنا مما جاء فى سفر عزرا النبى وقت أن قال "صمنا وطلبنا ذلك من إلهنا، فاستجاب لنا" (عزرا 23:8).
ومن أهمية رباط الصلاة والصوم معًا فى مواجهة حيل وفخاخ إبليس تجاه اولاد الله، أوصانا السيد المسيح له المجد، بأن نتهم بالصلاة والصوم بقوله "هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (متى 21:17)، (مرقس 29:9).
فعلينا يا إخوتى فى أوقات الأصوام، وبصفة خاصة، بأن نقرن أصوامنا بصلواتنا، لكى ننجو من حيل إبليس وأعوانه وتسمو نفوسنا، وتحلق فوق إغراءت الخطية وشهوات العالم الضارة لأصوامنا خاصة ولعلاقتنا بالله بصفة عامة.