رئيس التحرير
عصام كامل

عيد الغطاس المجيد

تحتفل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بعيد الغطاس المجيد، عيد الظهور الإلهى، الذى يُعد ثالث الأعياد السيدية الكبرى. لذلك في هذه المناسبة المباركة، أهنئكم تهنئة قلبية، بهذا العيد المبارك، طالبًا لكم فيه من الله، ولكنيستنا المقدسة، ولوطننا العزيز مصر قيادةً وشعبًا ولمنطقة الشرق الأوسط وللعالم أجمع كل بركة وسلام وخير وتقدم.


أما عن حديثنا، في هذا العيد، فهو عن: المسيح جاء، نورًا للعالم. وهذا ما جاء في إنجيل القديس متى (مت 4: 16)، فنجده يقول:(الشعب الجالس في الظلمة، أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في الكورة، وظلال الموت، أشرق عليهم نورٌ). فمن هنا لُقب عيد الغطاس المجيد، بعيد الأنوار، وذلك لأن المسيح جاء، نورًا للعالم.


في بداية حديثنا عن طبيعة الله أنها هى نور، وليس فيه ظلمة البتة، ويؤكد على هذه الصفة، القديس يوحنا الرسول، في رسالته الأولى، فيقول: (إن الله نورٌ، وليس فيه ظلمةٌ البتة) (1 يو 5: 7). وكذلك القديس يعقوب الرسول، يتكلم عن الله بأنه (أبو الأنوار) (يع1: 17).


فطبيعة الله نورانية ذاتية، غير مستمدة من أحد. لأن النور، صفة غير محدودة في الله، يفيض من نوره، أو يعطى من نوره، لكل مَن يُقبل إليه ويطلب. ومع ذلك، النور في الله، ليس هو صفة زمنية يتصف بها، بل هي صفة أزلية فيه، غير محددة بزمن معين. من جانب آخر، النور كما أنه هو صفة أزلية في الله، فهو أيضًا صفة دائمة  أبدية، ثابتة مستمرة، لا تتوقف على الإطلاق.

 
دُعى السيد المسيح في الكتاب المقدس بشمس البر (ملا 4: 2)، وبكوكب الصبح المنير (رؤ 22: 16)، ونور العالم (يو 8: 12).. ولنبدأ في حديثنا في هذا الجانب، بذكر نبوءة إشعياء النبى عن المسيح، بأنه نور العالم، وذلك قبل أن يتجسد.


ويتضح لنا هذا من قوله: (الشعب السالك في الظلمة، أبصر نورًا عظيمًا، الجالسون في أرض ظلال الموت، أشرق عليهم نور) (إش 9: 2). وتحققت هذه النبوءة، بالبشارة والحبل، وولادة السيد المسيح من السيدة العذراء مريم، بواسطة الروح القدس: (الشعب الجالس في ظلمةٍ، أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في كورة الموت وظلاله، أشرق عليهم نورٌ) (مت 4: 16).


ننتقل إلى شهادة المسيح لنفسه، بأنه هو نور العالم. وهذا يتضح، مما علَّم به المسيح، قائلًا: (أنا هو نور العالم، مَن يتبعنى فلا يمشى في الظلمة، بل يكون له نور الحياة) (يو 8: 12)، (يو 9: 5). ويؤكد على هذا، في موضع آخر، قائلًا: (أنا جئت نورًا للعالم، حتى أن كل من يؤمن بى، لا يمكث في الظلمة) (يو 12: 46).


من جانب آخر، شهد الآباء الرسل للسيد المسيح، بأنه مصدر الحياة والنور. وهذا يتضح، من شهادة القديس يوحنا الإنجيلى له بقوله: (فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس والنور يضىء في الظلمة، والظلمة لم تدركه) (يو 1: 4، 5).
 

ننتقل إلى جانب هام، وهو كيفية الاستفادة من المسيح، نور العالم؟! هناك جوانب روحية عديدة من خلالها يستطيع الإنسان أن يستفيد من المسيح نور العالم. وفى مقدمتها، تلبية دعوة المسيح للإنسان، إلى نوره العجيب. فهو يدعو جميع الناس إليه، وإلى نوره، وكل مَن يُقبل إليه، لا يرفضه، بل يقبله، كما قال بفمه الطاهر: (من يُقبل إلى، لا أخرجه خارجًا) (يو 6: 37).
 

فهو يأمر بالكرازة بالإيمان بالمسيح. لكى يستفيدوا من نعمه الإلهية، ولذا أوصى تلاميذه القديسين، قائلًا لهم: (اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل، للخليقة كلها) (مر 16: 15). والهدف من الكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، لكى يستفيد مَن يؤمنون بنعم المسيح، ويتمتعون بنوره الإلهى في النعم، التي يحصلون عليها، من خلال الكنيسة.


ولذا قال المسيح: (أنا هو نور العالم، من يتبعنى فلا يمشى في الظلمة، بل يكون له نور الحياة) (يو 8: 12)، (يو 12: 46). فقبول الإنسان للإيمان بالمسيح، من خلال كنيسة مستقيمة الإيمان والعقائد، ينقله من ظلمة الخطية، إلى نور الإيمان بالمسيح، ويجعله من أتباع المسيح، وخاصته وتلاميذه، وأحبائه وأبنائه (ما دام لكم النور، آمنوا بالنور، لتصيروا أبناء النور) (يو 12: 36).
 

 

ننتقل إلى أهمية نوال سر العماد للإنسان، للاستفادة من نور المسيح، الذى في هذا السر. فنحن لا ننكر دور الإيمان بالمسيح، في قبول نوره، إلا أن الإيمان وهو يعد كمطلب أولى، ولكن بمفرده ليس كافيًا، بل يعوز المؤمن أن ينال سر المعمودية بعد ذلك، لكى يتمتع بنعم ونور المسيح، الذى في هذا السر، ويولد ولادة ثانية، من الماء والروح. ويتضح لنا هذا، من قول الرب "مَن آمن واعتمد خلص، ومَن لم يؤمن يُدن" (مر 16: 16).

الجريدة الرسمية