رئيس التحرير
عصام كامل

شهود زور!

ستظل تصفعنا الكلمات المؤلمة التي ناشدت بها الدكتورة أسماء الأشقر قبل استشهادها وهي تعمل في مستشفى القدس في غزة، حينما قالت: «إن غزة تُباد والعالم يتفرّج علينا، من دون شجب ولا استنكار، ولكن الله معنا»، وكان الوحيد الذي صدق صرختها هو رون بوشنل، الطيار الأمريكي  الذي حرق نفسه رافضا أن يكون متواطئا في الإبادة الجماعية لأهل غزة.


والمؤلم أن الشعوب أسقطت من حساباتها كل اعتبار من اعتبارات النخوة الإنسانية وعزة النفس والكرامة، وهي تتفرج على أشلاء أطفال غزة وهي صامتة مثل صمت المقابر. وبإستثناء مواقف دول أمريكا اللاتينية الشريفة الداعمة لأهالي غزة، نجد العالم -كله تقريبًا- صامت يتفرج على إسرائيل وهي تذبح اطفال ونساء غزة بعدم إهتمام وإكتراث وكأنه يتابع فيلمًا سينمائيًا خياليًا. دون أن يهتز له ضمير أو حتى شيء من مشاعر. 

 

لان العالم -كله- يخشى ويخاف من أمريكا.. كل دولة من دول العالم تخشى -اليوم- من أن تبدي تعاطفًا مع أهالي غزة خوفًا من أن تتعرض لغضب أمريكا! والأنكى والأكثر إيلامًا، أن النظام العربي كله إتفق على أن يترك جنوب أفريقيا ترفع الدعوى أمام محكمة العدل الدولية من دون مشاركة أي دولة عربية، وربما كان خيرًا ما فعلوه فهم كانوا على الدوام أهل فشل لا أهل نجاح.

 

وهكذا أصيب العالم بمرض فقدان المناعة الإنسانية وأصبحوا وأصبحنا شهود زور نمارس صمت الحملان باستمتاع المقهورين، وكأن الهزائم من صلب تركيبتنا الجينية والنفسية، وكأن النكبة أو النكسة مثلًا مفهوم ثقافي حضاري عربي، وليست مجرد مصطلح تقني سياسي. 

هزيمة القانون الدولي الإنساني

كل الشعوب تمتلك الارادة وتصنع قدرها بمشيئتها إلا الشعوب العربية، تظل قانعة بالقاع الذي ارتضوه، عجز وإحباط ومرارة فهذا الواقع العربي ليس بابتلاء إلهي بقدر ما هو ابتلاء من العرب أنفسهم ولأنفسهم عندما إرتضوا أن يكون موقعهم في آخر الصفوف (ذيول) لهذا العصر الذين يعيشون احداثه، ولا يستطيعون صنعه أو التأثير فيه فأصبح وجودهم كعدمه لا لون ولا طعم ولا رائحة.

 

فلماذا لا تستطيع الأمّة العربية التي يزيد تعدادها عن 400 مليون فرد، وتتحكم في أهم مواصلات العالم (قناة السويس، مضيق باب المندب)، ولديها الفائض الأكبر من  النفط وتبلغ أرصدتها في البنوك الغربية بالمليارات، لماذا لا تستطيع أن تتخذ المواقف الجادّة الحازمة التي تكبح جِماح إسرائيل، وتُفهِم الولايات المتحدة أنّ لموقفها المنحاز تمامًا لإسرائيل ثمنًا باهظًا؟ 

 

ألّا تستطيع بعض هذه الدول أن تسحب سُفراءَها من إسرائيل، وألّا تستطيع بعض هذه الدول التهديد بوقف التطبيع مع إسرائيل، وألّا تستطيع بعض هذه الدول وقف تزويد إسرائيل بالطاقة، وألّا تستطيع بعض هذه الدول سحب بعض أرصدتها من البنوك الغربية، وإذا لم نقف اليوم لإيقاف المجازر في غزة، فإننا لن نستطيع لاحقا إيقاف مشروع من النيل الفرات.. 

 

أما الحقوقيون والمناضلون السياسيون الذين ينتظرون نصرتهم من حكومات الغرب يعيشون الوهم، لان هذه الحكومات لا تشغلها سوى مصالحها، وتصديرها قضية الحريات وحقوق الإنسان مجرد دعاية جوفاء لإرضاء قلة من شعبها.. فرنسا كما هي أمريكا وغيرهما لا يشغلها سوى مصالحها المادية المباشرة، وإن تعارضت مع حقوق الإنسان فلتذهب الأخيرة إلى الجحيم..

 

 

لقد انهارت الأسس الأخلاقية التي قامت عليها السردية الغربية بشأن أوكرانيا على وقع إنهيار المباني السكنية في غزة. وفي الأخير يجب التأكيد على أن الذي انهزم في معركة غزة هو القانون الدولي الإنساني والمنظمات الدولية والضمير الإنساني.. كما أن 7 أكتوبر قد أطاحت ب إسرائيل الوظيفة والدور، وجعلت منها عبئًا استراتيجيًا، والسؤال كيف ننفض عن أنفسنا هوان العجز؟ إسألوا إهل غزة فعندهم الخبر اليقين.

الجريدة الرسمية