رئيس التحرير
عصام كامل

إهانة الحق بحق النقض

كان استخدام أمريكا مؤخرًا حق النقض الفيتو ضد قرار وقف المجزرة الاسرائيلية في غزة لطمة للضمير الدولي، وإهانة لنحو193 دولة هم عدد منظمة الأمم المتحدة، إستمرارا  لحق النقض الظالم الذي تم إقراره بعد أن إستقر الأمر للحلفاء المنتصرين في الحرب الثانية، وكان وقتها معبرا عن عالم ما بعد الحرب، لخمس دول لها هذا الحق في مجلس الأمن وبإمكان دولة واحدة من هذه الدول الخمس أن تجعل من الدول شاهد ما شافش حاجة.. 

 

إذ يمكنها أن تتمثل دور الأغلبية فيبطل قرارها ما أجمعت عليه دول العالم، وهذا هو أس الفساد في السياسة الدولية، ويتحول مجلس الأمن إلى هيئة تراعي مصالح الدول الخمس صاحبة حق النقض الفيتو فحسب، وتقف موقف المتفرج حيال الظلم والاضطهاد الواقعين في مناطق أخرى من العالم ويكفي فيتو واحد لنقض إرادة كل دول العالم.. 

 

وهو نظام ظالم واستبدادي وأن إلغاءه في آخر اﻷمر هو النهاية اﻷكثر منطقية، ومن الأمثلة الصارخة لهذا الظلم هو عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية  قرارات تدين إسرائيل بعدد 45 فيتو من بين 83 فيتو منذ عام 1945 حتى الآن، أى بنسبة 54% هى نسبة استخدام أمريكا لحق النقض الفيتو لصالح إسرائيل، وهو حق يراد به باطل.. 

 

وآخرها ما استخدمته أمريكا بهدف عرقلة مشروع وقف إطلاق النار الفورى الإنسانى فى غزة باستخدامها حق النقض ضد طلب مجلس الأمن، ومن المؤسف أنه لا توجد أي قواعد تحدّد شروطًا أو تضع قيودًا على استخدام الدول لحق النقض في المجلس. 

إعادة نظر في حق الفيتو

وهذا يؤدي إلى إنعدام الشفافية ولا توجد حوكمة رشيدة تحكم قرارات أكبر منظمة أممية في ظل الاستخدام غير الرشيد لما يدعى بحق النقض الفيتو.. حيث يعاني هذا الحق من ظلم واضح سواء في عدد الحائزين عليه، أو في طريقة استخدامه المسفة، التي أصبحت مع مرور الزمن وتراكم القرارات المنقوضة التي يشوبها التحيز الواضح لفرض أجندات وسياسات تحابي مثل الكيان الصهيوني، ويتم تغطية وحماية لممارساته وما يقترفه بحق الفلسطينيين.. 

 

ولسوف يستمر هذا الظلم طالما ظل العالم مكتوفي الأيدي دون القيام بعمل ما، وإذا كان الناس سواسية لا فضل لأمريكيهم ولا لافريقيهم إلا بالتزامه بهذه المواثيق الدولية التي حبكت على أنقاض الحرب العالمية. فكيف ونحن نؤمن بالديمقراطية ونجاهد من أجلها نختصر مليارات الناس لنؤسس قرارات الأمن والسلم العالميين على معنى القوة لا العدل على الديكتاتورية لا الديمقراطية على حجة امتلاك القوة لا قوة الحجة.. 

 

وبالتالي ليس هناك تبرير عقلي أو فلسفي يسوغ لخمس دول هم أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين أن تكون دائمة العضوية في مجلس القرار العالمي -مجلس الأمن- وشرعنة  لغة الهيمنة وديكاتورية الإدارة غير الديمقراطية من خلال مجلس الأمن الذي ألقى ميثاق هيئة الأمم المتحدة بالمسؤولية الأولى عليه، حيث يشكل هذا المجلس أداة تحقيق وأداة تسوية وأداة قمع وكل ذلك حسب توجيهات الكبار!

 

ومن باب التوازنات السياسية وقسمة التركة الدولية كانت هذه الدول الخمس دائمة العضوية، لكن المتغيرات الدولية جعلت لأمريكا حق الولاية العامة، فأصبحت تعطي وتمنع وتروع وتردع فيسكت الآخرون لأن شيئًا من الغنيمة قد ينالهم. والأمر هكذا فإن القراءة السياسية لأحداث العالم الاقليمية والدولية وتحديد الموقف منها، تستدعي النضال  للقضاء على علاقات القوة الظالمة واللاأخلاقية في النظام الدولي السائد.. 

 

لآن استمرار هذا النظام سيودي إلى مزيد من القتل والخراب والتبعية، لذلك فإن حق الفيتو يتطلب إعادة النظر والمراجعة الشاملة له من حيث العضوية والإمتياز وطريقة الاستخدام وترشيدها، فهناك دول عديدة تستحق أن تحصل على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وأن تحصل على حق الفيتو ومنها الهند، الباكستان، البرازيل، إندونيسيا، اليابان، مصر، جنوب إفريقيا، وغيرها. 

 

 

كما أن طريقة الاستخدام ينبغي حوكمتها بحيث لا تستخدم إلا للصالح الإنساني العام وليس لطرف محدد أو لغايات تزيد من العنف والكراهية والاستقواء.. ومن المستقر عليه فقهًا وقضاء أنه لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضررًا بالغير، فدرء المفاسد أولى من جلب المنافع، علما بإن السكوت من المغلوب على أمره لا يعني موافقته أو ولاءه وشراكته ولكنه الواقع الذي يفرض المثل المتداول “إذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي”؟

الجريدة الرسمية