تصعيد خطير من أبي أحمد (1)
منذ التسعينيات، اتسمت علاقات مصر ودول منابع النيل بتصاعد مخططات سياسية، تتخذ مطالب اقتصادية، بعضها سيكولوجية لتصفية خلفيات تاريخية غير ودية في علاقات ماضية، إلى جانب تحالفات خفية تصعِّب اتخاذ مبادرات عملية، وتربك الحلول السلمية للخلافات.
فاستخدام إثيوبيا سياسة الأمر الواقع يهدف في الحقيقة إلى جر مصر إلى مائدة مفاوضات مطولة للحصول على أقصى ما يمكن من الفوائد لمصلحة إثيوبيا مع محاولة تغيير موقف السودان إلى موقف الوسيط الأكثر قربا إلى إثيوبيا، مقابل الحصول على فوائد مائية، وربما هو ما حدث في بعض الأحيان.
الحقيقة الجغرافية أن مسار الأنهار الكبيرة بين المنبع والمصب يمر بدولة أو دول وسيطة يمكن أن نسميها اختصارا دول ترانزيت نهرية، ليس بمعنى العبور فقط، بل حق الاستفادة من المياه العابرة بصور عدة. لكن غالبا ما يحدث نوع من الصراع المكبوت أو الصريح بين دول الترانزيت والمصب.
في حوض النيل، يصح أن نصنف السودان -شمالا وجنوبا- على أنهما دولتا ترانزيت، بينما يقتصر المصب على مصر. وربما لو أخذنا بهذا التوصيف، فإن بعض الأمور تصبح أكثر شفافية وأقرب إلى التعامل السياسي الصريح، بدلا من المواقف الغائمة وتصريحات عن علاقات الأشقاء لا تجدي كثيرا في مواقف اتخاذ القرارات السياسية.
وعلى الرغم من تأكيدات منظمة الأنهار الدولية في عدة نشرات أن سد النهضة لا يفيد معظم سكان إثيوبيا، كونهم إما صغار مزارعين أو رعاة منتشرين مكانيا على مساحات واسعة تتطلب إنفاقات ضخمة لمد شبكة طاقة لأسر فقيرة محدودة الدخل، إلا أن إثيوبيا ماضية في غيها.
وتصف المنظمة قرارات إنشاء السدود بأنها غير شفافة لا تطرح على الرأي الخبير، ولا يناقشها المجتمع، وتنفذ بغض النظر عن الإضرار بمواطنين. لهذا، تحث المنظمة المانحين على عدم الاشتراك في مشروعات لا تراعي التنمية البشرية، لكن هناك دول داعمة، وأفرادا مانحين، ربما نكاية في مصر.
ويذكر أن إثيوبيا تقوم حاليا بتنفيذ الإنشاءات في ثلاثة سدود هي: مندايا، وبيكو أبو، وكارا دودي، وسعة كل منها على التوالي 40 مليار متر، و42 مليارا، و49 مليارا، بما يعني جملة 131 مليار متر تتحكم مع خزان النهضة (131 + 70) في 200 مليار متر، فهل هذا ممكن؟ احتكار مياه النيل فعلا وعملا سيصبح بذلك في قبضة إثيوبيا.
تطورات خطيرة في ملف سد الكارثة، المسمى زورًا سد النهضة.. بينما يقترب السد من خطر الانهيار، إذا برئيس الوزراء الإثيوبي يخرج بتصريحات جديدة تحمل تطاولا غير مسبوق على مصر.
ونواصل في المقال القادم بإذن الله.