ويسألونك عن الروح
لا يعرف البعض من الناس الكثير عن الروح، وأقصى ما يعرفونه أنها مكمن سر الحياة في الأحياء من البشر. ومن خلال هذه السلسلة من المقالات سوف نتحدث عن الروح ذلك السر الإلهي المتعلق بالحياة والمدد والإمداد من الله عز وجل. ما هي الروح؟ وهل هي سر الله الغامض الخفي؟ وهل خص الله تعالى أحد بمعرفته؟ وهل كلمة الروح التي جاءت في ثلاثة وعشرون آية في كتاب الله تعالى كلها بمعنى واحد أم بمعان متعددة؟ وما هي نسبة الروح إلى الله سبحانه وتعالى؟
أسئلة كثيرة عن ما هي الروح وأحكامها؟ فهيا بنا عزيزي القارئ نسبح في عالم الروح ونجيب عن تلك الأسئلة التي بدأناها في هذا المقال.. نتحدث أولا عن الروح التي نفخها الله تعالى في أبو البشر أبينا آدم عليه السلام، والتي بها تحول من جسد طيني أجوف تمثال فارغ صلصال كالفخار صار كائنًا حيًا، كل أدواته تعمل. عقل يعقل ويميز وأذن تسمع وأعين تبصر وأنف يشُم ويُميز ولسان ينطق ويتكلم وقلب ينبض ورئتان تتنفس وجوارح تعمل..
أي صار كائنًا حيًا له قدر وقيمة مستحق للتكريم ومؤهل للحياة على الأرض وللتكليف. وهذه الروح هي المُشار إليها بقوله عز وجل في خطابه للملائكة "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ". وكلمة من روحي تشير إلى نسبة الروح إلى الله تعالى، وهي ليست كما يظن أو يفهم البعض أنها من الله.
إذ أن الله تبارك في علاه لا يسري ولا يحل في شيء فهو تعالى الذي تعالت ذاته عن السريان والحلول في أي شيء، والله تعالى ليس كمثله شيء. وهناك فرق بين نسبة الروح إليه سبحانه وبين أنها جزء منه تبارك في علاه فالله تعالى لا يتجزأ.
أصل الحياة
هذا ولقد أشار العارفين بالله تعالى الذين أشرق الله سبحانه على قلوبهم بأنوار وعلوم ومعارف الأسرار، وأمدهم بعلومه اللدنية إلا أن سر أصل النفخة متعلق بأنوار الذات المحمدية ذلك النور الذي فتق الحق عز وجل به رتق عوالم الخلق والموجودات، وأول التعينات في عالم الخلق ولقد أشاروا إليه بأنه النور الأسبق، وأن الله تعالى أودع فيه وجعله سر الحياة.
هنا لنا وقفة ماذا عن ذلك النور وتلك الحقيقة المسماة بالنور المحمدي الذاتي، والذي هو سر الله تعالى في سائر الأسماء والصفات. وما هي الأدلة على ذلك؟ الحقيقة المحمدية تُعني أن النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد خلقه الله تعالى من النور قبل أن يخلق الجسد الطاهر، وإن حقيقته النورانية هي أول الموجودات..
كما أشار فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بارك الله في عمره بقوله: هي أصل الحياة وسرها الساري في كل الكائنات والموجودات، وأن للحقيقة المحمدية عدة أسماء منها حقيقة الحقائق وأول الموجودات والعقل الأول والتعين الأول في عالم الخلق..
هذا والأنبياء والرسل عليهم السلام في الحقيقة نوابه عليه الصلاة والسلام وورثته ودورهم إنما هو يتجسد للحقيقة المحمدية أو الروح المحمدي قبل ظهور الجسد الشريف. ومن الحقيقة المحمدية يستمد كل الأنبياء والأولياء والعارفين علومهم وأنوارهم.. وبهذا الاعتبار سُمي صلى الله عليه وسلم بنور الأنوار والأصل في الأرواح وسيد الكائنات وأول خلق الله.
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) وقوله عز وجل:(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا). وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أنا نبي وآدم بين الروح والجسد".. وقوله "أنا نبي وآدم مُجندل في طينته"..
عزيزي القارئ نستكمل الحديث في المقالات التالية.