من أم القرى إلى أم الدنيا
نحن نعلم أن مكة توصف بأنها أم القرى، ومصر تسمى أم الدنيا، فمن أين جاءت هذه التسميات؟، ولنبدأ بمكة المكرمة أم القرى، فما هى خصائص الأم ؟، بداية سنجلب الدليل من قول الله تعالى بخصوص أمومة مكة المكرمة، جاء في سورة الإنعام (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) الأية 92..
وقال الله في وصف مكة بأم القرى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) سورة القصص الأية 59، وهكذا ينقطع الشك باليقين فيما يتعلق بأن مكة أم القرى، ولعله من خصائص الأمومة هو الإنتماء والولادة، وبيولوجيا تحضن الأم مواليدها في منطقة البطن..
وهنا نتوقف قليلا عند هذه الأية التى تصف مكة مجازا بأن لها بطن، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)، سورة الفتح الأية 24، وبعيدا عن الاستعارات اللغوية والتشبيه والترادف أو الكناية والاستعارة، والمجاز، فيمكننا جغرافيا وتاريخيا رد أمومة مكة للقرى بقصة الخلق وهبوط أدم وحواء على سطح الارض..
وكيف كانت مكة أول بيت وضع للناس لتوحيد وعبادة الله، وتجمع حولها الناس، وتكاثروا، وربما من بطن مكة وجوارها تأسست القرى الأخرى وأصبحت الأرض عامرة بعد تزايد عدد الناس، والأن لنذهب إلى تسمية مصر باسم أم الدنيا
لماذ سُميت مصر بأم الدنيا؟
يقول علماء الجيولوجيا: إن الأرض في البداية كانت عبارة عن كتلة واحدة متواصلة متلاصقة وكان إسمها بانجية باللغة الاغريقية القديمة بمعنى البنجة أو الأصل أو الأم، أنظر صورة الخارطة المرفقة، وكان ذلك قبل 360 مليون عام..
كان ذلك قبل أن تنفصل لينتج عنها القارات المعروفة اليوم، فبعد ملايين السنين وبعد الانزياح العظيم لكتلة اليابسة بفعل حركة الأرض ودورانها حول نفسها مرة كل 24ساعة ودورانها حول الشمس مرة فى العام الواحد، والزلازل والبراكين والفيضانات وعوامل التعرية والرياح والضغط، تفككت الكتلة الأرضية وتباعدت مكوناتها وتشكل ما يسمى بالقارات المعروفة الآن، كما يقول الجيولوجيون..
وظهرت البحار والخلجان والجزر، لقد كان اسم تلك الكتلة العظيمة من الارض هو أرض البانجيا أو بان جيا، فالبانجيا بدأت تتكسر وتتفكك قبل عدة ملايين من السنين تقريبًا. وكان يطلق على تلك القارة في اللغة العربية أحيانًا إسم القارة الأم أو القارة الفائقة، لأنها أصل القارات جميعًا.
ولو حللنا كلمة بان -جيا سنكتشف المعنى وكيف تغير الإسم عبر التاريخ، فكلمة بان وتعني الكل أو عبر أو الحضن، أو الأم، أو الجميع الشامل، وكدليل فإن إسم أكبر شركات الطيران الأمريكية كان بان أمريكا، أى عبر كل أمريكا، كما تعني الأرض الأم باللغة الإغريقية واللاتينية..
وتدل جيولوجية القارات وأشكالها على أنها كانت متصلة معًا يومًا ما وأن المنطقة التى تقع فيها مصر هى المركز وبعد التباعد بين مكونات القارة واطرافها بقى مركزها محتفظ بإسمه وهو إيجيا أو إيجى بدون بان، ويرى العلماء وجود تشابه كامل بين مكونات القارات من حيث التركيب الجيولوجي في مختلف القارات..
وقد عثروا على مستحثات قديمة جدا ومتشابهة في القارات مما يدل على وحدة مكوناتها، كما أن حواف القارات تحمل تجانسا وتشابها شكليا يقود إلى وحدة تكوينها، ففى القرن الخامس عشر لاحظ رسام الخرائط الهولندي إبراهام أورتيليوس تطابقًا بين حافات القارات على جانبي المحيط الأطلسي فاقترح أن القارتين الأمريكيتين الشمالية والجنوبية قد انفصلتا عن قارتي أوروبا وإفريقيا بسبب الزلازل والفيضانات والانزياح.. وقد لاحظ العديد من العلماء وجود تطابق بين الحوافّ القارية.
وبتفحص الاسم -وهذا ما يهمنا- نجده يتكون من الجذور اليونانية بان أي عموم، مما يعني كل شيء، ثم جيا، وقال المستشرقون أن جيا وهو اسم إلهة الأرض رغم أننا لم نسمع بألهة بهذا الإسم. وتم استخدام هذا التفسير لأول مرة من قبل العالم الألماني الفرد ووجرد..
الخلاصة المهمة والاستنتاج في الموضوع أن إسم الكتلة الأولى كان بانجيه أو بان جيا، وقد بقى حقبة طويلة من الزمن وعُرفت به أرض مصر بينما أخذت الأجزاء المنفصلة الأخرى أسماء جديدة مثل آسيا أو آجيه وأوروبا وأمريكا الجنوبية والشمالية وأخيرا استراليا..
ولو تأملنا كلمة جيا وعكسها إيج أو إيجى egy، فسنصل إلي خلاصة هامة حاول المستشرقون طمسها من خلال الترجمات وتعدد اللغات واختلاف النطق، وصعوبة نطق بعض الحروف في بعض اللغات للمؤرخين، فان إسم القارة الأم القديم الذى كان بان إيجى أي مصر كلها أو أرض مصر، أو عبر مصر..
أصبح ايجيا فقط ومنه إيجبت أو إيقبط أو قبط، بينما بقى إسم مصر أم الدنيا إسم ذو دلالة تاريخية وجغرافية وثقافية يخبو احيانا ويتوهج مرة أخرى حسب الأيام، ومن هنا نفهم لماذا مصر اسمها إيجبت، لأنها أرض بانيجيا أي بان إيجى ثم بان إيجبت أى أم الدنيا، فمتى يُنصف العالم مصر ويعطيها حقها وحق امومتها العالمى؟
لماذا بنيت الأهرامات؟
ولأننا في صدد الحديث عن أم الدنيا فلابد من القول أن الاهرامات تحمل هى الأخرى أمور مدهشة، فبعيدا عن كونها مقابر لملوك فراعنة كما يشاع أو أنها كانت ملاجىء لمواجهة الفيضانات، أو أنها كانت مراصد لمراقبة حدود عاصمة الفراعنة، أو أنها كانت مصانع للطاقة أو غير ذلك من التفسيرات ووجهات النظر التى تحاول إيجاد تفسير منطقى مقبول للسؤال المهم: لماذا بنيت الاهرامات ؟
وماهو الداعى لانفاق الجهد والمال والوقت والرجال والمهندسين واستجلاب الحجارة الضخمة الثقيلة من مسافات بعيدة والبناة والعمال لإقامة هذه العجائب الدنيوية العملاقة؟ والتى بقى عقل الباحثين والدارسين عاجز عن إيجاد تفسير لها..
وهنا نتجه إلى القرآن الكريم لعلنا نجد ضالتنا في معرفة سر هذا الأثر الغامض، فقد قرن القرآن الأهرامات بالفراعنة، ووصف الأهرامات بالأوتاد، قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) سورة الفجر الاية 10، وقد ذكر القرآن من باب توصيف الجبال بأنها أوتاد لتوازن الارض والحفاظ على الثبات والاستقرار، وهنا نفهم أن الاهرامات هى أوتاد، ولكن كيف نفهم الأوتاد، ولماذا هى اوتاد؟
فكلمة الوَتَدُ تعنى ثَبَتَ، أنظر معجم الصحاح ولسان العرب، فوتد هو أداة التثبيت، ووتد الشخص الوَتَدَ تعنى ثبَّتهُ ويقال: وَتَدَ فِي الأَرْضِ قَدَمَهُ بمعنى ثبته، ويقال: وتَّدَ الخيمةَ: ثبتها بالأوتاد، فالوَتِدُ: ما ثُبِّتَ في الأرض أو الحائط من خشب ونحوه، لدعم سور أو تثبيت خيمة أو ربط حيوان، وأوتادُ الأرض: جبالُها، لكن السؤال المهم هو: ماهو الشىء المهم للفرعون حتى يقيم له وتد ويثبته ويكون بهذا الحجم والضخامة؟
قال الله تعالى: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَا) إن ما يهم الفرعون هو حياته ونجاته، فالخوف من أن يصعد الصرح فى السماء ولا يعود لابد من تثبيته والتحكم فيه، وهنا سنرفع سقف الخيال الجامح لنحاول الإجابة عن هذا السؤال الصعب، نحن نعلم من خلال القرآن الكريم أن فرعون خلال مواجهاته مع نبى الله موسى عليه السلام طلب من وزيره أو مستشاره وهو( هامان) أن يبنى له صرح ليصعد به إلى أسباب السماء..
وقد جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَاب) سورة غافر الايتان 36 و37..
والصرح لغة هو ما يصعد ويخرج من الأسفل الى الاعلى، وكل بناء عالى فهو صرح، انظر معاجم اللغة العربية، والصرح هو الشىء المتحرر الذى لا قيد له، ومنها جاء تعبير الصراحة أى الكلام الصريح، بدون قيد، فالصرح هو كينونة تنطلق إلى أعلى بدون قيد، وأعتقد أن الأمر يتعلق ببناء أداة رفع وتحليق وإرتفاع في السماء بدون موانع أو قيود..
لكن للسيطرة عليها والتحكم فيها فهى تحتاج إلى تثبيت أى تحتاج إلى وتد وهو الهرم، فهو المكون الذى يتم منه التحكم في الأداة وتثبيتها وهى الصرح، والذى أعتقد وربما خاطئا أنه منطاد يرتفع بفعل تسخين الهواء، ودليل ذلك أن مكونات الصرح من الوقود (النار) والطين، ولنقرأ قول الله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)..
فمكونات الصرح هى الطين والوقود أى النار وهذا ربما يؤكد ما أذهب إليه من أن صرح فرعون باختصار كان منطاد يرتفع بفعل التسخين على الطين، ولعله من المفيد أن ألفت نظر القارئ إلى أن الفرنسيين أول من صنع المناطيد، وذلك بعد حملة نابليون بونابرت على مصر واستيلائهم على المخطوطات والرسومات وكنوز المعرفة وعلم المصريين القدماء..
أول قاعدة فضائية
والدليل الآخر هو أنه في عشرينات القرن الماضى عثرت بعثة بريطانية للتنقيب عن الاثار المصرية عثرت على حبال طويلة ومخاطيف حديدية ومقابض تشبه أدوات الرسو وحبال شد قوية متصلة بالغرفة الاساسية في قلب هرم خوفو، كما لوحظ وجود فتحات مائلة للأعلى تتصل بوسط الهرم وربما تلك الفتحات مخارج للحبال التى تربط الصرح أو المنطاد..
وربما نفهم الآن قول فرعون كما جاء فى القرآن الكريم ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) سورة الزخرف الأية 51، فلربما جمع فرعون حشد كبير من الناس لمشاهدته وهو يصعد إلى الأعلى حتى أنه رأى نهر النيل وفروعه تجرى من تحته فقال ما قال، ربما..
والخلاصة فلربما كانت الاهرامات هى أول قاعدة فضائية للصعود للسماء ولذلك بنى الفراعنة عدد من الأهرامات لما في العملية من شغف ومتعة وإظهار للسلطان والهيبة والقوة في أعين الناس، وهنا قد نفهم عثور المنقبين على مراكب الشمس سليمة بجانب الأهرامات وهى صغيرة الحجم ولا تشبه المراكب أو السفن البحرية، وعثورهم على حبال طويلة جدا..
فلربما كانت مراكب الشمس هى المقعد المخصص للفرعون وحاشيته ليرتفعوا بأمان إلى الأعلى بواسطة ربطها بالصرح أو المناطيد، وقد يظهر سؤال: لماذا يوجد أكثر من هرم قرب بعض؟ وربما الجواب يكمن في أن المكان كان أشبه بمحطة فضاء أو قاعدة صعود وهبوط المناطيد للفرعون وحاشيته والوجهاء وقادة جيشه، وكهنته، كل حسب درجته ومكانته. ففى أم الدنيا عجائب لا تنتهى.