رائحة الغضب في الجو
الماشى على رجليه، والراكب سيارته، كلاهما في حالة صفير داخلى، الفارق بين الماشي والراكب أن صاحب السيارة يمكنه أن يصرخ بالكلاكس، فيضغط على موضع الزمارة ضغطا متصلا، ليتفرق الجمع أمامه مذعورا، بينما هو في حقيقة الأمر يعالج حالة الغل والغيظ التى أخذت بخناقه.
هو في الحق يصرخ عبر الآلة، التى وفرت له الحماية من تهمة الخبلان والجنون التى تلتصق فورا بالسيد الماشي على قدميه إن صرخ واستغاث، فهو الأخر مخنوق، مشنوق، يضج صدره بالوجع، ويزدحم عقله بالديون في كفة والمطالب في كفة، أكل وشرب وعلاج وإيجار وكهربا ومياه ومواصلات وتموين البيت، وصراخ الزوجة التى تعبت وكلت وملت وطهقت.
هي تصوت في البيت وتلطم الخدين براحتها، أما السيد الماشى على رجليه، يتخبط فهو يحتاج إلى تفريغ شحنة اليأس، شحنة الاحتياج، شحنة العجز عن التدبير.. هو لن يصرخ، بل سيسير وسط القطيع المصرى في الشوارع مسحوبا مذهولا مزبهلا، ليس لدى واحد منهم الشجاعة ليرفع عقيرته صارخا متوجعا، لكنهم بلا ريب فى انتظار من يبدأ وبعدها ستسمع موجات من الآهات والتشنجات.
حكومة جديدة.. أمل جديد
الوجوه عابسة، السائرة والراكبة، كل واحد عنده هم ما يتلم، وكل واحد منا يواجه كل دواعي الجلطة يوميا، ذلك أن لقمة العيش في مصر صارت في مزاد اللصوص والمحتكرين، ذلك أن المصرى بات يضرب كفا بكف متسائلا مستهولا عجز دولة بحالها عن مواجهة عصابة الاحتكار في السلع السبع الرئيسية، وعن ملاحقة المضاربين على الدولار.
والحق أقول أن الماشي على رجليه وراكب السيارة وجماهير المقاهي والارصفة وسكان الكنب، جميعهم جميعهم أداروا ظهورهم لرئيس الحكومة، لم يعودوا يصدقونه.. وهذه كارثة بكل معيار، فقد سقطت الثقة، وسحبها الشعب في البيوت والشوارع بالصمت، بالإعراض عنه، فقد وعد كثيرا ولم يف بوعوده، وغلبه التجار، فافترسوا الناس، ونهشوا سمعة الحكومة.
لم تعد كلمات العزاء والمواساة تصلح لفتح البيوت وملء الثلاجات ووضع القدور على النار للطبخ.. هذه الحكومة جلبت التعاسة للناس، وينتظر الشارع المصرى أن يبادر الرئيس بتغييرها، فقد نفد ما لديها وشطبت على ما لدينا، ولتأت حكومة جديدة تمنح الشعب أملا بحلول خلاقة وروح جديدة تطلقها في قلوب الناس، وتلاحق بالقبضة الحديدية لصوص الشعب.
لقد هزمت الدولة الارهاب وقضت عليه، فكيف يهزمها سباعي الاحتكار هولاء؟ أليس الإرهاب عدوانا على الوطن؟ بلى هو عدوان على الوطن، أليس بيع السلع بسعر أعلى كل ساعة. أليس إخفاء السلع إرهابا للمواطن ومحاربة له في لقمة عيشه وقوت أولاده؟
بلى بلى، فكيف تسكت عنهم الدولة ذلك السكوت المزرى الباعث على الذهول والاستغراب؟ هل لأحد مصلحة فى تسخيط الشعب؟
هذا هو الواضح لمن يرى.. أما العميان فسوف يفتحون عيونهم حين يكنسهم الإعصار..