وجهان للعدالة الدولية
مجموعة القرارات الملزمة التى أصدرتها محكمة العدل الدولية، أول أمس، الجمعة، أعطت لكل طرف ما يرضيه، فأعطت إسرائيل حق الاستمرار في شن الحرب، بامتناعها عن الحكم بالوقف الفورى لاطلاق النار في غزة، وعوضا عن ذلك طالبتها بوقف أعمال القتل، فهل هناك فرق؟
الفرق هو في مساحة المناورة التى تتحجج بها إسرائيل، فوقف القتل يختلف، من وجهة النظر الإسرائيلية، عن وقف إطلاق النار الكامل والفورى، ففي الحالة الأولى أنت تطالبه بالكف وفي الحالة الثانية تمنحه منع الوقف..
ويذكرنا هذا الذكاء الأسود بصياغة الانجليز للقرار 242 الذي صدر عن مجلس الامن الدولى في أعقاب هزيمة يونيه، ففى البند الأول منه ينص على عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، واحترام سيادة ووحدة الاراضي، وفي البند الثاني يدعو إلى إنسحاب إسرائيل من أراض احتلتها بالقوة.
العرب فسروا القرار في ضوء البند واحد والبند اثنين، أي وجوب إنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التى احتلتها، بينما إسرائيل تمسكت بالبند الثاني وهو إنسحاب من أراض عربية وليس الأراضي كلها! كانت صياغة مندوب بريطانيا في مجلس الأمن وقتها، سم انجليزي خلاصة الدهاء الاستعماري..
معاداة السامية
نرجع لقرار محكمة العدل، فهو في مجمله، يظهر تعاطفا بالقانون، وفق نصوص الحماية من الابادة الجماعية، وأبرز ما فيه أن دواعى الابادة في خضم حرب غزة قائمة، لكنه لم يقل أن إسرائيل تمارس فعل الإبادة، ويتعاطف النص القانوني الصادر عن المحكمة في إظهار حالة المجاعة باعتبار أن ما يزيد علي التسعين في المائة من سكان غزة لايجدون الطعام والعلاج والمياه الصالحة للشرب والحياة، وأقوى ما في الحكم أنه ألزم اسرائيل بتقديم تقرير خلال شهر عن الاجراءات التى اتخذتها لوقف قتل الفلسطينيين..
رحبت إسرائيل بامتناع المحكمة عن دعوتها لوقف إطلاق النار، وبالمخالفة في الفهم فإنها اعتبرت أنه ترخيص لها باستمرار شن الحرب حتى النصر كما قال نتنياهو، الذي اتهمت حكومته المحكمة بمعاداة السامية!
من ناحية أخرى رحبت حماس بمجمله وخلاصته، لكن رفضته الجهاد، ورحب به الاتحاد الأوربي وطلب التنفيذ الفورى الكامل لمجموعة القرارات وبخاصة تسهيل وصول المساعدات من الطعام والدواء والوقود والخيام والمياه..
ووفقا للقانون، يكون الأمين العام للأمم المتحدة وهى المظلة الأم التى تتبعها محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، ملزما بإحالة القرارات إلى مجلس الأمن الدولى، أما استجابة المجلس للانعقاد لبحث القرارات بعد احالتها فليست وجوبية، فقد ينعقد أو لا ينعقد، ولو حصل وانعقد فإن أمريكا بالمرصاد، إذ بالفيتو ستمنع منع قتل الفلسطينيين! أي ستوافق على استمرار قتلهم!
سياسة حقيرة ومنحطة ومنافقة، تمنع قتل الانسان في أوكرانيا وتبيح قتله في فلسطين.. ومن المفارقات أنه في اليوم التالي لصدور حكم العدل الدولية، تخضع دول اوروبية منها ايطاليا وألمانيا للتحريض الاسرائيلي فتمنع تمويل منظمة الاونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بحجج اسرائيلية منها أن المنظمة ضد اسرائيل وحماسية الهوى!
إنه عالم منافق حقا..