ولئن شكرتم لأزيدنكم
من المؤكد والمعلوم لدى العبد المؤمن أن كل النعم التي يتقلب فيها الخلق والعباد والتي لا تٌعد ولا تٌحصى هي من محض فضل الله تعالى علينا، فهو المنعم سبحانه وتعالى وصدق تعالى إذ قال "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ". وللأسف يغفل الكثير من العباد عن شكر الله عز وجل على نعمه. ومنهم من يجحدها. يقول سبحانه "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ".
هذا وفي إشارة إلى بعض نعم الله تعالى يقول العارف بالله ذي النون المصري بلسان الإقرار بفضل الله تعالى ونعمته. "إلهي وسيلتي إليك نعمك علي وشفيعي إليك إحسانك إلي. إلهي: أدعوك في الملأ كما تُدعى الأرباب. وأدعوك في الخلا كما تُدعى الأحباب. أقول في الملأ يا إلهي وأقول في الخلاء يا حبيبي. أرغب إليك وأشهد لك بالربوبية مٌقرا بأنك ربي وإليك مرجعي.
ابتدأتني برحمتك من قبل أن أكون شيئا مذكورا وخلقتني من تراب ثم أسكنتني الأصلاب ونقلتني إلى الأرحام ثم أنشأت خلقي من مني يُمنى. ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث بين دم ولحم. ثم نقلتني إلى الدنيا تاما سويا وحفظتني في المهد طفلا صغيرا صبيا ورزقتني من الغذاء لبنا مريا وكَفلتني حُجور الأمهات وأسكنت قلوبهم رقة وشفة عليّ.
وربيتني بأحسن تربية ودبرتني بأحسن تدبير. وحفظتني من طوارق الجن. وسَلمتني من شياطين الإنس وصُنتني من زيادة في بدني ومن نقص في يعيبني فتباركت ربي وتعاليت يارحيم. فلما استهلت بالكلام أتممت علي ثوابت النعم وأنبتني في كل عام فتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، حتى إذا ملكتني شأني وشددت أركاني أكملت لي عقلي.
وأزلت حجاب الغفلة عن قلبي وألهمتني النظر في عجيب صنعك وبدائع عجائبك ورفعت وأوضحت لي حجتك ودللتني على نفسك وعرفتني ما جاءت به رسلك. ورزقتني من أنواع المعارف وصنوف النعم بمنك العظيم وإحسانك القديم وجعلتني سويا ثم لم ترضى لي بنعمة واحدة دون أن أتممت علي جميع نعمك.
وصرفت عني كل بلوة وأعلمتني الفجور لأجتنبه. والتقوى لاقترفها. وأرشدتني إلى ما يقربني إليك زلفا. فإن دعوتك أجبتني. وإن سألتك أعطيتني. وإن حمدتك شكرتني. وإن شكرتك زدتني. إلهي فأي نعمك أحصى عددا. وأي عطاءك أقوم بشكره. أما أسبغت على من النعماء أو صرفت عني من الضراء. إلهي، أشهد لك بما شهد لك باطني وظاهرى وأركانى.
إلهي إني لا أطيق إحصاء نعمك فكيف أطيق شكرك عليها فقد قولت وقولك الحق (إِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) أم كيف يستغرق شكري نعمك وشكرك من أعظم النعم عندي وأنت المنعم به. إلهي وسيدي بلغت رسلك بما أنزلت إليهم من وحيك غير أنى أقول بجهدي ومنتهي علمي ومجهودي وسعي ومبلغ طاقتي"..
الحمد لله على جميع إحسانك حمدا يعَدُل حمد الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين. هذا والشكر ليس بالكلام وإنما هو عمل وفعل لقوله عزوجل "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا"، ومن الشكر أن يضع العبد كل جارحة من جوارحه حيث أمر الله تعالى. هذا وفي الحقيقة مهما بلغ شكر العبد لله تعالى فإنه لا ولن يستطيع أن يوفي حق الله عز وجل في شكره على نعمة واحدة. فاللهم لك الحمد ولك الشكر حمدا طيبا مباركا ملئ السموات والأراضين كما ينبغي لجلال وجهك الكريم.