تقاليد وعادات في عيد الغطاس المجيد
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بلادنا مصر وكل ربوع العالم بعيد الغطاس المجيد ففى هذه المناسبة المباركة يأكل الأقباط القلقاس والقصب والبرتقال واليوسفى والجزر.. وهذه تقاليد وعادات مسيحية منتشرة في كل البلدان ومتأصلة عند الشعب القبطى بالأخص، وليس لها نص كتابى في الكتاب المقدس بل أن لها معانى روحية وتشابه في هذه النبات المائية.. تعالى نتأمل في هذه المعانى الروحية..
أولًا القلقاس، له عدة دلالات روحية تتعلق بهذه المناسبة، وأعتاد الأقباط على تناوله في هذه المناسبة، ويحتوى ثمر القلقاس على مادة سامة ومضرة للحنجرة وهى المادة الهلامية، إلا أنها إذا إختلطت بالماء تحولت إلى مادة نافعة مغذية، وهنا تشبه المعمودية والتى منها تطهر المعمد من الخطية الجدية وهو فى جرن المعمودية تجعله يعبر من الموت إلى الحياة..
والمعمودية هى جرن أى حوض كبير، وأن كلمة عمد تعنى غسل بماء المعمودية، والمعمودية هى المبنى الذى تجرى فيه عملية التعميد أى السر المقدس، والتعميد إشارة للحياة المتجددة، وهى سر من أسرار الكنيسة السبعة منذ نشأتها..
حيث إن السيد المسيح تم تعميده على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن، وكما يتطهر القلقاس من مادته السامة بواسطة ماء جارية وعمقه في ماء الطهى، كما أن القلقاس يدفن في الأرض كاملًا ثم يخرج من باطن الأرض نباتًا حيًا صالحًا للطعام..
هكذا فى المعمودية هى دفن المعمد فى الماء ثم خروجه أى قيامته مع المسيح كما يقول الأنجيل في رسالة القديس بولس الرسول "مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أقمتم أيضًا معه بأيمان عمل الله الذى أقامه من الأموات" (كو 12:2).
إن الإنسان بقبوله الموت يحيا وهذه هى فلسلفة المعمودية، وفى القلقاس لا يؤكل إلا بعد خلع القشرة الخارجية، فبدون تعريته يصير عديم الفائدة، فلابد من خلع القشرة أى الصلاة قبل أكله، وبذلك تشهبه الكنيسة أن تناول القلقاس بالمعمودية من خلال خلع الثوب العتيق -ثوب الخطية- لكى نلبس الثوب الجديد الفاخر علامة على الطهارة والقداسة والنقاوة والحياة الجديدة من خلال ممارسة سر المعمودية المقدسة.
ثانيًا القصب، أكل القصب فى هذا العيد شئ أساسى ومورث ثقافى قديم من الأجداد عبر الأجيال، والقصب له معانى روحية وتشابه أيضًا بالمعمودية، فالقصب نبات مستقيم وهذا يشير إلى حياة الاستقامة الروحية التى يجب أن يتحلى بها المعمد، ويمتاز القصب بغزارة مياهه الموجوده بداخله وهذا السائل رمز لماء المعمودية..
ومذاقه الحلو هذا رمزًا لفرحة نوال نعمة المعمودية والخلاص والمغفرة من الخطية الجدية، ونبات القصب ينقسم إلى عقلات، وكل عقلة تشبه الفضيلة التى نكتسبها فى حياتنا الروحية، ونبات القصب ينمو فى الأماكن الحارة، ففى بلادنا العزيزة مصر ينمو فى جنوبها وبالأكثر في محافظة قنا، وذلك يذكرنا بحرارة الروح.. أى الإنسان المعمد يكون حارًا بالروح..
ونجد في قلب عود القصب اللون الأبيض وهذا يشير إلى نقاء قلب الطفل المعمد، ويتكاثر نبات القصب عن طريق العقل الساقية حيث يتم غرسها فى عمق التربة الزراعية ثم يخرج منها نباتًا حيًا، وهذا رمزًا للمعمودية، لانها هى موت وحياة مع المسيح.
ثالثًا البرتقال واليوسفى والجزر، كلهم نباتات مائية تشير إلى مياة المعمودية، ومن مظاهر الإحتفال بليلة عيد الغطاس شورية البرتقال أو اليوسفى أى البلابيصا، وهى كلمة هيروغليفية قديمة تعنى الشموع المضيئة أو قنديل منير..
ويتم عمل الشورية من قشرة البرتقال أويوسفى وتفريغه بالمعلقة من محتواها وقطع رأس البرتقالة بالسكين وتحديد الصلبان على جوانبها بالأقلام، وتفريغها بالسكين وثقب جزء دائرى من الأسفل لإدخال الشمعة عبره وربطها بثلاثة أطراف من الخيط، وهذا رمزًا للثالوث القدوس..
فقد كان الأقباط منذ القديم وحتى الآن في بعض قرى الصعيد يصنعون هذه الشورية، والتى تأخذ عدة أشكال منها تكون أعلى عود القصب ومنها بالثلاث خيوط وخطاف لمسكها وليحملها الأطفال، وتظل مضاءة طول الليل وهم على ضفاف النيل والترع الكبيرة، وهم يغتسلون بالمياه إشارة إلى معمودية السيد المسيح في نهر الأردن ثم تكون مضاءة في منازلهم حتى الصباح في بهجة وسرور بالعيد. وكل عام وحضراتكم بخير.