الابتلاء.. نعمة أم نقمة؟!
لا يفطن كثير من الناس أن الابتلاء نعمة من الله، فهو اختبار من الله لعباده ليرى -وهو أعلم بهم قبل أن يخلقهم- هل يصبرون أم يجزعون، هل يقبلون بمصابهم أم يسخطون.. الابتلاء تمحيص للذنوب، وتمييز بين الصادق والكاذب، المؤمن وغير المؤمن..
يقول الله تعالى وقال تعالى: "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ".. ويقول أيضًا "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"، ويقول الله تعالى "الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ"..
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”.. فإذا صبر العبد المبتلى أعطاه الله بلا حساب يقول تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"..
وأكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"..
فهل أدركنا كيف يكون البلاء نعمة لمن رضى به وتقبله بنفس واثقة فيما عند الله؟! تختلف ردود أفعال الناس إزاء البلاء إذا نزل بهم، وهم لا يخرجون عن أحد ثلاثة؛ الأول هو المحروم من الخير الذي يقابل البلاء بالتسخط وسوء الظن بالله واتهام القدر.. أما الثاني فهو الموفَّق الذي يقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله.. والثالث أعلى منزلة من سابقيه فهو راضٍ بقضاء مولاه، يقابل البلاء بالرضا والشكر وهو أمر فوق الصبر.
ماذا يجب أن نعرف عن البلاء؟!
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".. فإذا كان نزول البلاء من سنن الله في خلقه؛ فالمخلوقات تمرض وتتعرض لنكبات..
وقد اقتضت حكمة الله اختصاص المؤمن غالبًا بنزول البلاء تعجيلًا لعقوبته في الدنيا أو رفعًا لمنزلته.. أما الكافر والمنافق فيعافى ويصرف عنه البلاء. وتؤخر عقوبته في الآخرة.. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد".
أما صور البلاء فهى عديدة؛ بلاء في الأهل وفى المال وفى الولد، وفى الدين، وأعظمها ما يبتلى به العبد في دينه.
فماذا نفعل إذا وقع البلاء؟!
علينا أن نتذكر قول الله تعالى "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".. وأن نتذكر دومًا أن النبي، وهو أحب خلق الله إلى الله، تعرض للبلاء؛ فقد ابتلى في أهله، وماله، وولده، ودينه فصبر واحتسب وأحسن الظن بربه ورضي بحكمه وامتثل للشرع ولم يتجاوز حدوده فصار بحق قدوة يحتذي به لكل مبتلى..
وعلينا أن نستحضر قول الله تعالى كما جاء على لسان لقمان وهو يعظ ابنه؛ إذ يقول الله تعالى: “وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ” (لقمان:17).. فمن أراد رضا مولاه فلا أقل من الرضا بما ابتلاه!