شهيب.. صحافتنا والسنوات الصعبة (1)
لا يكف زميلنا عبد القادر شهيب عن الاشتباك مع قضايا الواقع، ليصوغ بأسلوبه السهل الممتنع رؤية معمقة لقضايا وأحداث محورية، سواء في مقالاته أو كتبه التي تصدر بين الحين والآخر، وآخرها كتابه المهم صحافتنا والسنوات الصعبة..
الذي يضع أيدينا على ما تعانيه صاحبة الجلالة من متاعب وآفات اجتمعت لها عوامل عديدة أفاض شهيب في رصدها وتحليلها ليضع من يعنيهم الأمر أمام مسئولياتهم في إصلاح ملف مهم يقتضينا أن نسلط عليه ضوءًا كثيفًا لنستعيد ريادتنا الصحفية والإعلامية.
يقول كاتبنا الكبير: “إذا كنا نطمح في جمهورية جديدة، ونتطلع لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة فلا مناص أمامنا سوى أن ننقذ صحافتنا ونعالج كل مشاكلها، وننهض بها لتقوم بدورها في إنجاز ما نطمح فيه، ونتطلع إليه، فكما أن قوة الدولة في قوة اقتصادها، فإنها في قوة صحافتها أيضًا”.
عبدالقادر شهيب إعتمد في إعداد كتابه هذا على شيئين، أولهما مشاهداته الخاصة المستمرة التي لا تتوقف؛ ذلك أنه يتابع يوميًا الإصدارات الصحفية المختلفة والمتنوعة، وثانيهما تجاربه الخاصة التي تنوعت بحكم عمله في كل أنواع الصحافة القومية والخاصة والحزبية على السواء.
يقول عبدالقادر شهيب إن للصحفي المهنى متعتين؛ الأولى متعة الحصول على المعلومة، والثانية متعة نشر هذه المعلومة منفردًا وسابقًا لغيره؛ ولذلك سيكون مزعجًا للصحفي إذا حصل على المعلومات الصحيحة وتعذر عليه نشرها.
أخلاقيات العمل الصحفي
ثم يفتح شهيب خزائن أسراره ليقدم نموذجًا مهمًا في وصوله لمعلومة غاية في الأهمية والخطورة في وقتها ثم يضطر للاحتفاظ بها لنفسه نزولًا على رغبة صاحبها.. يقول عبدالقادر شهيب: "أذكر أنني طلبت أن أتحدث مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك تليفونيًا لأسأله لماذا لم يشارك في القمة العربية التي استضافتها الخرطوم عام 2006..
فسألني: هل تريد الحق أم ابن عمه، فقلت طبعًا الحق؛ أي الحقيقة، فقال لي إن المخابرات حذرته من السفر للخرطوم لأنها رصدت سفر عناصر ممن حاولوا اغتياله في أديس أبابا إلى الخرطوم (ولا ندرى من أي مكان تحركوا ولا حقيقة أو جنسية هذه العناصر، ولا دوافع تحركاتها)..
وخشيت -والكلام للرئيس مبارك- أن تدبر هذه العناصر شيئًا، وبالطبع هذا أمر غير قابل للنشر، وما أخبرني به الرئيس مبارك كان بمثابة سبق صحفي عالمي ومع ذلك احترمت رغبته في الاحتفاظ به سرًا..
فمن أخلاقيات العمل الصحفي احترام رغبة المصدر عندما يرغب في عدم نشر بعض ما تحدث عنه للصحفي، ولكن رغم أن مبارك اختصني بهذا السر إلا أن متعتى الصحفية لم تتحقق لأنني لم أنشر هذا السر المهم والخطير.
ثم يمضي عبدالقادر شهيب في كتابه ليضع أيدينا على أهم مقومات النجاح في العمل الصحفي.. يقول: "وإذا كانت المتعة الأولى للصحفي المهنى؛ وهى الحصول على المعلومات، تحتاج مع شطارته إلى قانون ينظم تداول المعلومات ويحظر حبسها بواسطة السلطة التنفيذية وموظفيها..
فإن المتعة الثانية وهى متعة نشر هذه المعلومات وسبق الغير بها يحتاج لمناخ يشجع حرية الرأي والتعبير ويجعل السلطة التنفيذية وموظفيها لا يتدخلون بتوجيهاتهم لمنع النشر لموضوعات إلا بأمر قضائي، وكلا الأمرين نص عليهما الدستور وألزم بهما مؤسسات الدولة المختلفة..
أي أن تحقيق ذلك ليس بيد الصحفي وحده مهما كانت شطارته ومهنيته ومهارته وإنما بيد كل مؤسسات الدولة.. وهنا يصير إصلاح حال صحافتنا والنهوض بها واستعادة نفوذها وتأثيرها في الرأي العام ليست مسئولية الصحفيين وحدهم وإنما هي أيضًا مسئولية مؤسسات الدولة معهم"..
وتلك في رأيي نقطة مهمة لا يصح إغفالها حين نشرع في إصلاح أحوال الصحافة التي هي أحوج ما تكون لإصلاح حقيقي يستعيد أمجادها وريادتنا فيها.. وللحديث بقية!!