الخوض في الأعراض.. أزمة فراغ
تتعدد صور الأذى أمام سطوة الخائضين في الأعراض وسيطرتهم.. هم يعيشون بيننا يبدون أمامنا أناسا عاديين ربما يبادروننا بالسلام والسؤال عن الصحة والأهل والحياة..
يتواجدون بين الجيران وفي مواقع العمل وجميع مناحي حياتنا.. يبدون في وداعة وسكينة ومودة.. يتقدم إليك أحدهم يسأل عنك وعن أحوالك فتظنه أخا أو من ذوي الرحم وبمجرد أن تدير ظهرك له؛ تجد أحوالك التي سألك عنها تحولت إلى مضغة في أفواه الناس، فتكتشف أنه نقل إليهم كل كبيرة وصغيرة عنك ولم يكتف بعملية النقل فقط بل إنها وضع لمساته وحول أسرار حياتك الشخصية إلى أفلام سينمائية أنت بطلها وهو مخرجها..
هؤلاء لم يدرسوا الإخراج السينمائي ولا الفنون المسرحية لكنهم في ذات الوقت يمارسون هذه الأعمال يوميا بالخوض في أعراض الناس ينقل عنك أحدهم معلومة ويضع عليها البهارات الخاصة والمتبلات التي تجعل أعراض الناس ذات رائحة جذابة للتناول.. ولا يعلم هؤلاء المساكين أنهم قد تورطوا في جرائم بشعة أمام الله وأمام المجتمع..
لقد وردت الآيات الكريمة في سورة الحجرات واضحة وضوح الشمس؛ فقال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
ويقول القرطبي في تفسيره عن قول الله «ولا تجسسوا». أي: لا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره.
وتعددت الأحاديث النبوية الشريفة تحذر من جريمة الخوض في أعراض الناس واغتيابهم، فعن أبي هريرة -رضى الله عنه- أن رجلا قام عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فرأوا في قيامه عجزا، فقالوا: يا رسول الله ما أعجز فلانا، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أكَلْتُم أخاكُمْ واغَتَبْتُمُوه.
إن هؤلاء الخائضين لا يدركون أنهم قد تورطوا في أبشع الأفعال.. وأزمتهم الكبرى التي يتجاهلون حلها عنها هي أزمة الفراغ ولو أنهم عادوا إلى صوابهم لعلموا يقينا أن شؤونهم الشخصية أهم لهم من الخوض في أعراض الناس وأخبارهم.. فهل يعود هؤلاء يوما إلى رشدهم؟