رئيس التحرير
عصام كامل

الحرب الفاضحة

هذه حرب كاشفة، حرب إسرائيل على غزة كاشفة، لم يحدث أن تعرت إسرائيل في أي من حروبها السابقة مع العرب، كما تعرت فى حربها الحالية على الشعب الفلسطيني في غزة وفى الضفة الغربية.
 

أسوأ ما يمكن أن يلحق ببلد يدير حربا أن يتمزق بالخلافات وتبادل الاتهامات بين قياداته، خلافات الساسة مع الساسة وخلافات العسكريين السابقين مع العسكريين الحاليين، وخلافات السياسيين مع قائد العمليات الذي هو رئيس الأركان.

وحين يشارك رئيس الحكومة، كما هو الحال في حكومة الحرب المصغرة حاليا في إسرائيل، فى اتخاذ قرارات عسكرية، دونها خبراته ومعلوماته، فإن هذا هو الكابوس الذي يعانيه قادة إدارة الإبادة الجماعية لشعب فلسطين فى غزة.


مجلس الحرب المصغر يضم جانتس رئيس حزب معسكر الدولة ووزير الدفاع يوآف جالانت ووزير المالية المسعور بتسلئيل سموتريتش يقودهم نتنياهو الكذاب، وهو منقسم على نفسه، تمزقه الخلافات ووجهات النظر المتناقضة.

 

نتنياهو مولع بالكذب، لأنه فطرى في شخصيته، وهم يعرفون أنه كاذب، وأنه يمد أجل الحرب ليحمي نفسه من أربعة قضايا فساد، ناهيك عن المساءلة له وللجالسين معه الآن لإدارة الحرب بسبب الهزيمة الاستراتيجية التى وجهتها المقاومة لجيش إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضى.

 

وهو لا يريد قط مناقشة خطة ما بعد الحرب على أي مستوى ممن هم حوله، ثم هو منع رئيس الأركان من التواصل مع رئيس الموساد، ثم هو متخبط في تحديد أولويات الحرب، فمع ضغط عائلات الرهائن يقول للإعلام ولهم أن تحريرهم أولوية، ومع ضغط المقاومة على عناصر الجيش في شوارع وأحياء غزة وإلحاق خسائر يومية فادحة بهم، يقول للإعلام وللعالم لن نوقف القتال حتى القضاء على حماس. 

 

ورطة نتنياهو

علقت صحيفة نيويورك تايمز على هذه الأمنية لنتنياهو، وقالت في تحليل لها إنه لم يستطع بعد أكثر من 80 يوما أن يضعف حماس، فكم من الوقت يحتاج ليقضي عليها.


القضاء على حماس هدف غير واقعي، وباعتراف الخارجية الأمريكية ذاتها فإنه لا يمكن القضاء على فكرة في معركة أو حرب، لأن الأجيال التى يخرجونها الآن من تحت الأنقاض بدمائهم ودماء أهاليهم هم وقود الحريق الذي سيحيط بإسرائيل بعد سنوات معدودة.


مجلس الحرب منقسم على نفسه وهو ما حذر منه وزير الدفاع ورئيس الأركان، وهذا الانقسام في حد ذاته ينعكس على مستوى التخطيط والتنفيذ، وعلى الروح المعنوية، أضف إلى هذا كله أن إسرائيل ومعها واشنطن هما الآن في عزلة دولية تشعر بها واشنطن بقوة.


وكما قال رئيس الأركان السابق فإن إسرائيل خسرت الحرب أمام حماس، وأن هناك احتمالات بوقوع حرب أهلية بسبب توزيع 26 ألف قطعة سلاح علي اليمين المتطرف وقال إن الإنتصار الوحيد المتاح لإسرائيل هو عزل نتنياهو.

 

ومع نزيف الدماء النجسة اليومي للمعتدين القتلة، ومع شيوع أعراض نفسية وعقلية بالغة الخطورة على جنود سفكوا دماء الرضع والصغار ودهسوهم ودفنوهم أحياء، ومع الدمار الهائل الرهيب تبدو إسرائيل - نتنياهو في مأزق حقيقي. 

 

إنها بحق تحتاج وقف إطلاق النار، لوقف نزيف الدم في صفوف جنودها، ولكنهم يعلمون أن اللحظة التى توافق فيها تل أبيب على وقف النار هي اللحظة التى يحق للمقاومة إعلان انتصارها على الجيش الإسرائيلي في حرب غير متكافئة.


كشفت هذه الحرب أبعادا عميقة للخلل المتمدد في جسم المؤسسة العسكرية بأذرعها الأمنية والعملياتية، بل في بنية الجندية الاسرائيلية ذاتها.

 


ومن المؤكد أن ورطة جيش نظامي يواجه حرب عصابات للمقاومة هي في العادة موضع فحص وبحث في الأكاديميات العسكرية، لكن ورطة إسرائيل هذه المرة خيبة لم تلحق بأحد من قبل. انتصرت إسرائيل على الأطفال والنساء، لكنها انهزمت أمام الرجال.. هزيمة إسرائيل الاستراتيجية هى أكبر معالم عام 2023.. ولايزال الجنون مستمرا.

الجريدة الرسمية