رئيس التحرير
عصام كامل

وزارة المال السايب

أتمنى أن تشكل قضية الفساد الكبرى التي تم الكشف عنها منذ أيام داخل وزارة التموين، نقطة انطلاق وبداية للحكومة الجديدة التي سيتم الإعلان عن تشكيلها عقب الانتخابات الرئاسية، لاقتلاع أحد أكبر جذور الفساد وإهدار المال العام في مصر، والإقدام بشجاعة على إلغاء تلك الوزارة بكامل مؤسساتها، وإسناد الضروري منها لوزارتي الداخلية والتجارة.

لا لشيء سوى أن وزارة التموين باتت فعليًا ومنذ سنوات بلا دور، سوى إدارة منظومة فاشلة لـ الدعم العيني لا يستفيد منها الفقراء سوى فتات، في حين يصب الجزء الأكبر منه في جيوب طابور طويل من الفاسدين، دون أن يحرك الأمر ساكنًا لأي من الحكومات التي توالت على مصر على مدار عهود.

 

ولأننا هنا لا نهدف إلى السب أو إلقاء التهم جزافًا، فدعونا نتفق أن وزارة التموين قد فقدت كل الأدوار المنوطة بها منذ سنوات، بشكل جعل من وجودها عبئًا وإهدارًا للمال العام، كما أن القضية الفضيحة التي تم الإعلان عن تفاصيلها منذ أيام، والتي تم خلالها القبض على 9 من كبار موظفي الوزارة، على رأسهم مستشار الوزير للرقابة والتوزيع، لم تكن الأولى في تاريخ الوزارة، أو في عهد الوزير علي المصيلحي، الذي كانت تحتم الفضيحة عليه ضرورة الاستقالة.

 

كما أنه ثبت بالدليل القاطع، وخلال الشهور الأخيرة تحديدا، فشل وزارة التموين في القيام بدورها الرئيسي في الرقابة بدليل فوضى الأسعار والاحتكار وعمليات النهب العلنية لجيوب المصريين التي باتت السمة المُسيطرة على الأسواق المصرية.. 

 

وهو ما بات يحتم على الحكومة ضرورة نزع اختصاص الرقابة من تلك الوزارة العقيمة، وإسنادها إلى جهاز خاص يتبع وزارة الداخلية، يتمتع بسلطات وصلاحيات، للضرب بيد من حديد على رؤوس كل المتلاعبين بأقوات الشعب.

الدعم العيني والدعم النقدي

كما لا أدري السر وراء إصرار الدولة على التمسك بالمنظومة الفاشلة لـ الدعم العيني التي باتت تمثل الفشل الأكبر في عمل وزارة التموين، على الرغم من رفع الحكومة لقيمة الدعم في موازنة العام المالي الحالي إلى 127 مليارًا و700 مليون جنيه.

 

إلا أنه من دواعي العجب، أنه على الرغم من علم كل الحكومات السابقة والحالية يقينًا، أن تلك المنظومة لا تخلو من الفساد والسمسرة والعمولات، ولا تصل للفقراء سوى بسلع وخبز رديء، إلا أنه مازال هناك إصرار على تطبيقها واستبعاد منظومة الدعم النقدي التي ستريح المواطن والحكومة معًا، وتبتعد بالدولة عن دائرة الشبهات.

 

دعونا نتفق أن الإقدام بشجاعة على إلغاء وزارة التموين ومعها منظومة الدعم العيني بما فيها الخبز، واختصارها في صورة دعم نقدي يوازى قيمة السلع والخبز الموجه شهريا لكل الأسرة، سوف يمنح المواطن حرية انتقاء السلعة، كما سيخلق منافسة بين المصانع والمخابز لتقديم منتج أكثر جودة، بدلا من المنتجات الرديئة الذي يحصل عليه المواطن جبرًا.

 

ليس هذا فحسب، بل إن منظومة الدعم النقدي ستخلص الدولة أيضًا من أعباء تلاعب التجار، وفرض سلع رديئة بأسعار مرتفعة، والابتعاد عن شبهة توريد سلع منخفضة الجودة نظير الحصول على عمولات، وتجنب شبة التواطؤ مع موردي القمح، وتوفير الأعباء المالية الثقيلة المضافة على كاهل المنظومة من تخزين ونقل وتبخير وتعبئة، وفساد كثير من المطاحن وأصحاب المخابز.

 

أي باختصار، القضاء على منظومة تفوح منها رائحة الفساد، وتوفير مليارات الجنيهات من الممكن أن تزيد من قيمة الدعم الممنوح للمواطن، مع خلق منافسة وتقديم منتج أفضل بسعر منخفض، والابتعاد بالفقراء عن ذل الحصول على منتجات رديئة جبرًا.

 

دعونا نتفق أن الدعم يلتهم الجزء الأكبر من الموازنة العامة المصرية، ووصلت قيمته في الموازنة الحالية إلى 127 مليارا و700 مليون جنيه، بزيادة بلغت 37 مليار جنيه عن موازنة العام الماضي، أي أن هناك أموالًا ترصد وتضخ ولا ينقصها سوى حسن التوجيه لتصل لمستحقيها.

فلا أدرى ماذا سيعود على الحكومة في تحمل مسؤولية إنفاق أموال لجمع ونقل وتخزين وتبخير وتعبئة نحو 8.25 مليون طن من القمح، لتوفير نحو 93.5 مليار رغيف، في حين أنها تعلم ما يشوب المنظومة من بداية التوريد حتى إنتاج الرغيف من تلاعب وانحرافات، في حين أنه بإمكانها ترك كل هذه المنظومة للسوق الحر مع التحول للدعم النقدي.

كما لا أدرى ماذا سيعود على الحكومة من الدخول في حسابات شهرية فاشلة، تستنفد ملايين الجنيهات، لرصد نسبة سحب الخبز، واحتساب نقاط واستبدالها بسلع، وفتح المجال لتلاعب أصحاب المخابز والتجار، في حين أن الدعم النقدي سوف يقضي على كل ذلك.. 

 

 

ولاسيما بعد أن وصلت قيمة الدعم الموجه لمنظومة إنتاج الخبز الفاشلة إلى 83 مليارًا و619 مليون جنيه، ووصلت قيمة الدعم الموجه لنقاط الخبز الأكثر فشلًا إلى 2 مليار و544 مليون جنيه. والواقع يقول إن وزارة التموين باتت بلا دور، وأن توزيع الـ 127 مليارًا و700 مليون جنيه نقدًا على الـ 62.2 مليون مواطن المقيدين بمنظومة الدعم سيكون أكرم للحكومة والمواطن.. وكفى.

الجريدة الرسمية