إسرائيل في كارثة
رغم الدمار البشع والأرقام المفزعة لأعداد الضحايا بين المدنيين العزل في غزة، إلا أنه مخطئ من يعتقد أن إسرائيل قد حققت نصرًا محققًا أو تمتلك زمام الأمور على الأرض، لا لشيء سوى أن المشهد المعروض أمام العالم منقوص، ولا يعرض سوى زاوية واحدة، بحكم التعتيم المحكم الذي فرضته تل أبيب على كم الخسائر الكارثية التي منيت ومازالت تمنى بها يوميا، لدرجة جعلتها شعبا وحكومة في رعب وارتباك فعلي غير مسبوق.
ولأننا هنا أمام مشهد يظنه البعض محسوما، فلا مفر من الاستشهاد بعدد من الوقائع الملموسة على الأرض، لتوضيح حقيقة الأوضاع على الجانب الإسرائيلي، لتكتمل الصورة بوجهيها أمام الجميع، بدءا بالبيانات الرسمية اليومية التي يصدرها الجانبان.
فعلى عكس ما تقوم به إسرائيل، داومت السلطة الفلسطينية عن عمد، إلى إصدار عدة بيانات يومية، ترصد الأرقام المتصاعدة في أعداد الشهداء والمباني المدمرة، مؤيدة بمشاهد القصف والخراب التي يعرضها الإعلام على الهواء من كل شبر من قطاع عزة والضفة الغربية.
وهي الصورة التي نجح الفلسطينيون من خلالها في كسب تعاطف أحدث انقلابا في الرأي العام العالمي والمواقف الرسمية الدولية، لدرجة دفعت عددا من الدول إلى الإقدام على قطع علاقاتها الرسمية مع إسرائيل، وتقدم عدد آخر بطلبات رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال بحق المدنيين في غزة.
خسائر إسرائيل
كما داومت فصائل المقاومة الفلسطينية أيضا على إصدار بيانات يومية موثقة لعملياتها ضد قوات الاحتلال بالصوت والصورة، تعكس مدى النجاح الذي تحققه يوميا في تكبيد الإسرائيليين لخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة، تشكل أيضا جزءا من الصورة المنقوصة التي تحاول تل أبيب إخفاءها عن العالم والداخل الإسرائيلي؛ خوفا من الفضيحة، مكتفية بيانات غير منتظمة أو موثقة ولا تحمل أكثر من 1% من إجمالي خسائرهم.
وعلى الرغم من مداومة مواقع التواصل الاجتماعي على حذف كل الفيديوهات التي تتعلق ب إنتصارات المقاومة الفلسطينية، إلا أنه يمكن القول، إن وجود تلك المواد لدقائق معدومة، قد ساهم بشكل كبير في اكتمال جزئي للصورة المنقوصة عن خسائر قوات الاحتلال، والوصول بحقيقتها المخزية إلى الداخل الإسرائيلي، الذي بات فعليا في حالة من الخوف والارتباك والإحباط والغليان.
وهي الحالة التي دفعت ما يزيد على الـ 300 ألف مستوطن إلى الهرب للخارج بتذاكر ذهاب دون عودة إلى أوطانهم الأصلية، كما إضطر ما يزيد على مليوني إسرائيلي آخرين للسفر للخارج، هربا من جحيم القصف اليومي، تحت دعوى السياحة.
في الوقت الذي داوم فيه جزء آخر من الإسرائيليين على تنظيم تظاهرات، وصلت إلى الاحتشاد أمام منزل نتنياهو ذاته، في حين فضلت الأغلبية المحبطة الحفاظ على أرواحها والبقاء في الملاجئ، في ظل حالة الشلل التي أصابت كل مناحي الحياة في الشارع الإسرائيلي.
وبعيدًا عن الخلافات المتصاعدة بين قيادات الائتلاف الحكومي الحاكم، بسبب الكوارث التي تنهال على إسرائيل منذ بداية طوفان الأقصى، فقد كشف موقع جرايزون الأمريكي، عن فضيحة من العيار الثقيل، عكست جزءا آخر من الصورة الكارثية التي تحاول إسرائيل اخفاءها، حيث كشف أن الحكومة الإسرائيلية قد ارتكبت مجزرة بحق المواطنين الإسرائيليين أنفسهم مساء يوم 7 أكتوبر.
بعد أن أصدرت أوامر للطيران والمدفعية الإسرائيلية بقصف ودك المنازل والمستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة ومعبر إيريز؛ للتخلص من طوفان المقاومة الفلسطينية، الذين نجحوا في الدخول إلى تلك المناطق واحتجاز الآلاف من قاطنيها بمن فيهم ضباط القواعد العسكرية كرهائن.
الموقع الأمريكي -طبقًا لشهادات حية أدلى بها إسرائيليون- أكد أن العملية العسكرية الإسرائيلية الكارثية، قد أسفرت عن مقتل آلاف الضباط والمواطنين الإسرائيليين حرقا داخل المنازل والقواعد العسكرية، في محاولة مرتبكة للتخلص من طوفان المسلحين الفلسطينيين.
وزاد من حجم الكارثة أن أفراد الجيش والشرطة الإسرائيلية داخل تلك المناطق، داوموا من فرط الرعب من وجود مسلحين فلسطينيين، على إطلاق النار على بعضهم البعض بعد يوم 7 أكتوبر، مما أدى إلى مقتل المئات منهم.
خسائر إسرائيل البشرية تُعد بالآلاف، وخسائرها الاقتصادية تعدت الـ125 مليار دولار في ظل التقارير التي قدرت التكلفة اليومية للعملية العسكرية بما يزيد على الـ 250 مليون دولار، بخلاف هروب استثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار، وتحويل 53 مليار دولار - ربع الاحتياطي النقدي الإسرائيلي- إلى العملة المحلية لتغطية تكاليف الحرب.
غير أن للصورة الكارثية الكاملة في إسرائيل بقية، سوف تكشف عنها الخلافات التي اندلعت بشكل فعلي بين نتنياهو ومعارضيه، والتي ستزيد اشتعالا بمجرد انتهاء الحرب.. ونحن في الانتظار.