رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. محيي الدين النووي، صاحب الأربعين النووية ورياض الصالحين

الإمام محيي الدين
الإمام محيي الدين النووي، فيتو

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

محيي الدين النووي (631 هـ - 676 هـ)

هو صاحب أشهر ثلاثة كتب لا تخلو منها أية مكتبة، وهي: الأربعون النووية، ورياض الصالحين، والأذكار.
 
والإمام النووي هو شيخ الإسلام العالم المُحدث والحافظ والفقيه واللغوي، أحد أبرز علماء الإسلام وفقهاء الشافعية، اشتهر بكتبه وتصانيفه العديدة في الفقه والحديث واللغة والتراجم.

وقد وضعه شيخ الحديث زين الدين العراقي، أحد المجددين على رأس المئة السادسة بصفته أحد المحدِّثين.

نسبه 

هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي الشافعي، المشهور بلقبه "النووي" نسبة إلى نَوَى، وهي قرية من قرى حَوْران في سوريا.

كنيته محيي الدين، وأبو زكريا، ولقب بـ"شيخ الشافعية" و"قطب الأولياء" و"شيخ الإسلام والمسلمين"، و"عمدة الفقهاء والمُحدّثين"، و"صفوة الأولياء والصالحين".

مولده

ولد الإمام النووي، رحمه الله، في محرم عام 631 هـ في قرية نَوَى من أبوين صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض أهل العلم. 


وتصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيانَ يُجبرونه على اللعب، وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم، ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرِّغه لطلب العلم، فاستجاب له.


وفي سنة 649هـ توجه مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرَّواحِيَّة، وهي ملاصقة للمسجد الأموي. 


كان لا يضيَّع وقتًا في ليل أو نهار إلا في الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه كان يشتغل في تكرار أو مطالعة.


وفي عام 651هـ حجَّ مع أبيه، ثم عاد إلى دمشق، وهناك أقبل على علمائها ينهل من علمهم.

صفاته

 

أجمعَ المؤرخون على أن النووي كان قمة في الزهد، وأسوة في الورع، ولا يتوانى في مناصحة الحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 


ومن أهمِّ صفاته الزهد والورع، فيُروى أنه سُئلَ: لِمَ لمْ تتزوَّج؟! فقال: “نَسيتُ”؛ وذلك لاشتغاله الكبير بتحصيل العلم ونشره.

ومن مظاهر ورعه أنه كان لا يقبل من أحدٍ هديةً ولا عطيَّةً، إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرَّواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئًا.

وكان النووي لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء المُبرَّد.

شيوخه

سمع أبا الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر، ومحمد بن أحمد المقدسي، وهو أجلُّ شيوخه، وأبا إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي اليسر، وأبا العباس أحمد بن عبد الدائم، وأبا البقاء خالد النابلسي، وأبا محمد عبد العزيز بن عبد الله محمد بن عبد المحسن الأنصاري، والضياء بن تمام الحيصي، والحافظ أبا الفضل محمد بن محمد البكري، وأبا الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد خطيب دمشق، وأبا محمد عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري، وأبا زكريا يحيى بن الفتح الصيرفي الحراني، وأبا إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فاضل الواسطي، وغيرهم.

تلاميذه

كان للإمام النووي تلاميذ كثر، قال ابن العطار: "وسمع منه خلق كثير، من العلماء والحفاظ والصدور الرؤساء، وتخرج به خلق كثير من الفقهاء، وسار علمُه وفتاويه في الآفاق، ووقع على دينه وعلمه وزهده وورعه ومعرفته وكرامته الوِفاق".


وقال الإمام الذهبي: "وحدّث عنه ابن أبي الفتح، والمزي وابن العطار"، كما أخذ عنه المحدث أبو العباس أحمد بن فرح الإشبيلي، كان له ميعاد عليه يوم الثلاثاء والسبت، شرح في أحدهما صحيح البخاري وفي الآخر صحيح مسلم.. وغيرهما كثير.

مؤلفاته

صنَّف الإمام النووي كتبًا في الحديث والفقه عمَّ النفع بها، وانتشر في أقطار الأرض ذكرها؛ منها:
المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج.. روضة الطالبين وعمدة المفتين (في الفقه).. منهاج الطالبين وعمدة المفتين (في الفقه).. رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين (في الحديث).. الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار.

ضريح الإمام النووي، فيتو
ضريح الإمام النووي، فيتو


التبيان في آداب حملة القرآن.. إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق (في مصطلح الحديث).. التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير (في مصطلح الحديث).
الأربعون النووية (في الحديث).. بستان العارفين (في الرقائق).. شرح صحيح مسلم (يعد أحد أشهر الكتب التي شرحت الصحيحين).. مناقب الشافعي.. مختصر أُسد الغابة (في التراجم).

 

قالوا عنه

 

 تميّز النووي عن غيره من المُحَدّثين بأنه فقيه الأمة، وقلما اجتمع لعالم تبحُّرٌ في الفقه وإتقانٌ لعلوم الحديث.


يقول ابن العطار: سمع البخاري ومسلمًا وسنن أبي داود والترمذي، وسمع النسائي بقراءته، وموطأ مالك، ومسند الشافعي، ومسند أحمد بن حنبل، والدارمي وأبي عوانة الأسفراييني وأبي يعلى الموصلي، وسنن ابن ماجة والدارقطني والبيهقي، وشرح السنة للبغوي، ومعالم التنزيل له في التفسير، وكتاب الأنساب للزبير بن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب، وغيرها.


وشهد له بالعلم في الحديث كثير من العلماء، يقول الذهبي: "وهو (أي النووي) سيد هذه الطبقة".


وقال ابن العطار: "… حافظًا لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عارفًا بأنواعه كلها، من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه".


وقال الذهبي: "مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشوائب، ومحقها من أغراضها، كان حافظًا للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله، رأسًا في معرفة المذهب".


وقال أيضا: "الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، العابد الفقيه، المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنا" 


وقال ابن كثير: "الشيخ الإمام، العلامة الحافظ، الفقيه النبيل، محرر المذهب ومذهبه، وضابطه ومرتبه، أحد العباد والعلماء الزهاد، كان على جانب كبير من العلم والعمل والزهد والتقشف، والاقتصاد في العيش والصبر على خشونته، والتورع الذي لم يبلغنا عن أحد في زمانه ولا قبله بدهر طويل". 
 

وقال في حقِّه الإمام العلامة محمد بن علاَّن الصديقي: "شيخ الإسلام، علم الأئمة الأعلام، أوحد العلماء العاملين، والأولياء الصالحين، عين المحققين، وملاذ الفقهاء والمحدثين، وشيخ الحفاظ، وإمام الحفاظ، وإمام أرباب الضبط المتقنين".

 

في مواجهة الظاهر بيبرس

من أشهر وقائع النووي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقوفه في وجه الملك الظاهر بيبرس البندقداري في قضية الحوطة على الغوطة، قال القطب اليونيني: "إنه واقَف الظاهر غير مرة بدار العدل بسبب الحوطة على بساتين دمشق وغير ذلك".


وأوضح ابن كثير: "إنه قام على الظاهر في دار العدل في قضية الغوطة لما أرادوا وضع الأملاك على بساتينها، فرد عليهم ذلك، ووقى الله شرها بعد أن غضب السلطان، وأراد البطش به، ثم بعد ذلك أحبه وعظمه، حتى كان يقول: أنا أفزع منه".

وعندما خرج الظاهر بيبرس لقتال التتار بالشام طلب فتاوى العلماء بأنه يجوز أخذ مال من الرعية ليستنصر به على قتال العدو، فكتب له فقهاء الشام بذلك، وقتل كثيرًا من العلماء بسبب إفتائهم له بعدم الجواز، فقال: "هل بقي أحد؟"، فقالوا: "نعم، بقي الشيخ محيي الدين النووي"، فطلبه فقال: "اكتب خطك مع الفقهاء"، فامتنع، فقال: "ما سبب امتناعك؟"، فقال: "أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير بندقدار، وليس لك مال، ثم مَنّ الله عليك وجعلك ملكًا، وسمعت أن عندك ألف مملوك كلهم عنده حياصة من ذهب، وعندك مئتا جارية، لكل جارية حق من الحلي، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود الصوف بدلًا عن الحياصات الذهب وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، ولم يبق في بيت المال شيء من نقد أو متاع أو أرض، أفتيتك بأخذ المال من الرعية، وإنما يُستعان على الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار نبيه، صلى الله عليه وسلم"، فغضب السلطان من كلامه، وقال: "اخرج من بلدي"، (دمشق)، فقال: "السمع والطاعة"، وخرج إلى نوى، فقيل للملك: "ما سبب عدم قتلك له؟"، فقال: "كلما أردت قتله أرى على عاتقه سَبْعَين يريدان افتراسي".


ولما رأى النووي أن المواجهة لم تُجدِ نفعًا عمد إلى الكتابة إليه بأسلوب فيه ترغيب وترهيب، فكتب إليه ووقَّع معه بعض العلماء.

وفاته

توفي الإمام النووي في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء 25 رجب 676 هـ، 22 ديسمبر 1277. 


وقال ابن العطار: … فسار إلى نوى وزار القدس والخليل عليه السلام، ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته لها في بيت والده، فبلغني مرضه فذهبت من دمشق لعيادته، ففرح رحمه الله بذلك، ثم قال لي: "ارجع إلى أهلك"، وودعته وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة 676، ثم توفي في ليلة الأربعاء، فبينما أنا نائم تلك الليلة إذا منادٍ ينادي على سدة جامع دمشق في يوم جمعة: "الصلاة على الشيخ ركن الدين الموقع"، فصاح الناس لذلك النداء، فاستيقظت فقلت: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فلم يكن إلا ليلة الجمعة عشية الخميس إذ جاء الخبر بموته، رحمه الله، فنودي يوم الجمعة عقب الصلاة بموته، وصُلِّي عليه بجامع دمشق، وحزن الناسُ عليه حزنا شديدا.

ودُفن الإمام النووي في قريته نوى، وقبره ظاهر يُزار. ومما أُثر من خبره أنه لما دنا أجله ردّ الكتب المستعارة عنده من الأوقاف جميعها. 

قال قطب الدين اليونيني: “ولما وصل الخبر بوفاته لدمشق، توجه قاضي القضاة عز الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة على قبره”، قال: “وكان يسأل أن يموت بأرض فلسطين، فاستجاب الله تعالى منه”.

يقول التاج السبكي: "لما مات النووي بنوى ارتجت دمشق وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفًا شديدًا، وأحيوا ليالي كثيرة لسنته". 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية