رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. العز بن عبد السلام، سلطان العلماء وبائع السلاطين

قبر الشيخ العز بن
قبر الشيخ العز بن عبد السلام بالبساتين، فيتو

 عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينية والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

 

العز بن عبد السلام (577 هـ - 660 هـ)

اعتبره الشيخ عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم، مفتي الشافعية بحلب، وابن مفتيها، أحد المجددين بصفته أحد الفقهاء. 
هو سلطان العلماء، وقاضي القضاة، وشيخ الإسلام العز عبد العزيز بن عبد السلام، رحمه الله تعالى.  

مولده ونشأته

كان مولد أبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بدمشق سنة 577 هـ على الأرجح، ونشأ في بيئة دينية، وأسرة فقيرة شغلها طلب الرزق عن طلب العلم، فقد كان العز وهو صغير يحرص على مساعدة أبيه في الأعمال الشاقة؛ للحصول على نفقات الحياة.  

شاهد قبر سلطان العلماء، فيتو
شاهد قبر سلطان العلماء، فيتو


اتجه الشيخ لطلب العلم في سنٍّ متأخرة؛ بسبب انشغاله بأمور المعيشة، إلا أن الله تعالى اختصه بالفهم والذكاءً والقدرة على التحصيل؛ ما أهّلَهُ لتدارك ما فاته، وساعده على ذلك البيئة العلمية التي كان يعيش فيها، حيث كانت دمشق حاضرة العلم والعلماء التي يقصدها طلاب العلم من كل حدبٍ وصوب.   
وتلقى الشيخ العلوم المختلفة، كالفقه والأصول، واللغة، والتفسير، والحديث على أيدي علماء أجلاء أمثال: الشيخ فخر الدين ابن عساكر، والشيخ سيف الدين الآمدي، والحافظ أبي محمد القاسم وشيخ الشيوخ عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد البغدادي، والقاضي عبد الصمد بن محمد الحرستاني، وغيرهم الكثير من أهل العلم الكبار.  

قبر العز بن عبد السلام يعاني الإهمال الشديد، فيتو
قبر العز بن عبد السلام يعاني الإهمال الشديد، فيتو

تفوق الشيخ في ما تلقاه عن شيوخه وأساتذته؛ فكان لغويًا، أصوليًا، محدثًا، فقيهًا، وانتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي في عصره، وبلغ مرتبة الاجتهاد، وقصده طلاب العلم من كل مكان.  
ظل في الشام يدرس ويفتي ويصنف المؤلفات المهمة، كما تولى العديد من المناصب العامة في القضاء والخطابة في مساجد دمشق، إلى أن هاجر إلى القاهرة وهو في الستين من عمره، وقد سبقته شهرته العلمية وغيرتُه الدينية وعظمته الخلقية، فاستقبله سلطان مصر نجم الدين أيوب وأكرمه وولاه الخطابة في جامع عمرو بن العاص أكبر مساجد مصر وأهمها في ذلك الوقت، كما قلّده منصب قاضي القضاة.

والتف حوله علماء مصر ووقروه، وبالغوا في احترامه.. فتوقف عالم مصر الجليل الشيخ زكي الدين المنذري عن الإفتاء في وجوده احترامًا له وتقديرًا لعلمه، فقال: "كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعيّن فيه".

تلاميذه

 تخرّج على يد الشيخ العز بن عبد السلام أئمة كبار ملأوا طباق الدنيا علمًا، أمثال: شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وهو الذي أطلق على الشيخ عز الدين لقب "سلطان العلماء"، والإمام علاء الدين أبو الحسن الباجي، والشيخ تاج الدين ابن الفركاح، والحافظ أبو محمد الدمياطي، والحافظ أبو بكر محمد بن يوسف بن مسدي، والعلامة أحمد أبو العباس الدشناوي، والعلامة أبو محمد هبة الله القفطي، وغيرهم كثير، رحمهم الله جميعًا.  

قالوا عنه

قال عنه ابن دقيق العيد: "كان ابن عبدالسلام أحد سلاطين العلماء".   
الحافظ الذهبي: "بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين....، وقصده الطلبة من الآفاق، وتخرج به أئمة".  
ابن كثير: "شيخ الإسلام، وبقية الإعلام، الشيخ عز الدين... درس وصنف وأفتى، وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من كل البلاد، وتخرج به أئمة، وله الفتاوى السديدة، وكان ناسكًا، ورعًا، أمّارًا بالمعروف، نهّاءً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم".  

رحلاته

 خرج الشيخ العز بن عبد السلام في ثلاث رحلات خارج دمشق: 
الأولى: إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية، ومعقل العلم والعلماء، ومقصد الطلاب، والدارسين، فأقام بها شهرًا؛ لطلب العلم، ثم عاد إلى دمشق بعد أن حصل على طلبه وبغيته. 

قبر شيخ الإسلام ابن عبد السلام، فيتو
قبر شيخ الإسلام ابن عبد السلام، فيتو

الثانية: رحل إلى بلاد الحجاز؛ لأداء مناسك الحج والعمرة، ثم عاد مرة أخرى إلى مكان إقامته.  


الثالثة: رحل إلى مصر عام 639هـ بعد أن تعرض لأزمة السجن في دمشق بسبب انتقاده للملك الصالح إسماعيل لتحالُفَه مع الصليبيين وبيعه السلاح لهم، فرحَّب به الملك الصالح نجم الدين أيوب، في مصر، وولّاه القضاء، وإمامة مسجد عمرو بن العاص، كما عهد إليه بتدريس المذهب الشافعي بمدرسة الصالحية بين القصرين بالقاهرة، فانتشر علمه، وذاع بين الناس فضله.

في مواجهة طغيان المماليك

كان الشيخ، رحمه الله، ورعًا، زاهدًا، آمرًا بالمعروف، جريئًا في الحق، ناصحًا، لا يخاف في الله لومة لائم؛ وله مواقف كثيرة يتضح فيها ذلك، ومنها أنه رغم أن السلطان نجم الدين أكرمه وولاه المناصب، فإنه عندما حاول السلطان التدخل في القضاء طالبه الشيخ بعدم الاقتراب من القضاء لأنه ليس من شأن السلطان، وعندما لم يستجب له قام العز بن عبدالسلام فجمع أمتعته ووضعها على حماره، ثم قال: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها".
فتجمّع أهل مصر حوله، واستعدّ العلماء والصالحون للرحيل معه، فخرج الملك الصالح يسترضيه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الشرع.

فتواه ببيع الأمراء المماليك لصالح بيت المال، ثم عِتقهم؛ لتصحَّ ولايتهم، وقد كانوا أمراء وولاة بالفعل، الأمر الذي أغضبهم في بادئ الأمر، ثم لم يجدوا بُدًّا عنه فنفذوا ما قال الإمام.  

ولما حان وقت تسلم الظاهر بيبرس الحكم قال له سلطان العلماء: يا ركن الدين، أنا أعرفك مملوك البندقدار، أي بيعتك على الملك غير جائزة وأنت مملوك؛ فأحضر بيبرس ما يثبت أن البندقدار قد وهبه للملك الصالح نجم الدين أيوب، وأن الصالح أيوب أعتقه، حينها تقدم الإمام العز وبايعه على الملك.  

جهاده

 شارك الإمام، رحمه الله، بنفسه في الجهاد ضد الصليبين عندما أرادوا أن يحتلوا مدينة دمياط، ووقعت للشيخ كرامة أثناء الجهاد، قال الإمام تاج الدين السبكي: "وكان الشيخ (لعز ابن عبد السلام) مع العسكر، وقويت الريح، فلما رأى الشيخُ حالَ المسلمين نادى بأعلى صوته مشيرًا بيده إلى الريح "يا ريحُ خُذيهم" عدة مرات، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثرُ الفرنج، وصرخ من بين يدي المسلمين صارخ: الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، رجلًا سخّر له الريح". (طبقات الشافعية الكبرى).

 مؤلفاته

 كان الشيخ رحمه الله عالمًا موسوعيًّا، ذا قلم سيال، له مؤلفات عديدة، منها: "التفسير الكبير"، "الإلمام في أدلة الأحكام"، "قواعد الشريعة"، "الفوائد"، "قواعد الأحكام في إصلاح الأنام"، "ترغيب أهل الإسلام في سكن الشام"، "بداية السول في تفضيل الرسول"، "الغاية في اختصار النهاية"، "الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز"، "مسائل الطريقة"، "الفرق بين الإيمان والإسلام"، "مقاصد الرعاية"، وغير ذلك من المؤلفات النافعة.  

وفاته

توفي، رحمه الله، في 10جمادى الأولى سنة 660 هـ، بعد رحلة من البذل والعطاء، عن عمر ناهز ثلاثة وثمانين عامًا، ودفن في القرافة بالقاهرة. 


ويعاني قبره الموجود بسفح المقطم في منطقة البساتين، حاليا، من التجاهل والإهمال.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية