العدو والخائن والجزار
قال موجها كلامه للعرب: إذا أرادوا الحفاظ على مصالحهم فليصمتوا.. فصمتوا جميعا.. كان هذا هو تحذير نتنياهو، وكان هذا موقف العرب من كلامه.. صمت الجميع ولم يتكلم.. أكمل نتنياهو حديثه المفعم بالدم والقتل والتدمير ولا يزال يكمل طريق أجداده إمعانا في الخراب.
العواصم العربية الرسمية تطالب مثل الولايا بأن يتوقف قتل الأطفال.. فقط يطالبون مثلنا نحن المواطنين العزل.. نحن الذين لا نملك من أمرنا شيئا فقد ملكوا أمرنا بالنار والسلاح..سيطروا على إرادتنا وسلبوها تحت وطأة الديكتاتوريات المتمددة في أعماق تاريخنا البعيد.
وأنت أمام الشاشات ترى ما لا يرى..ترى بقايا الأطفال تتطاير في الهواء وأخرى تقبع تحت المطر والنار وشتاء قارس يأكل أجساد الرضع، يسري في أبدانهم الضعيفة لا يجدون ما يدفئهم إلا قنبلة تخلصهم من عار أمتهم ومن عار إنسانية لم تبرح مواقعها منذ العصر الحجري حتى اليوم.
وأهل الضفة وحكامهم ممن ارتضوا السلام طريقا لا يحصلون على إذن من المحتل بأن يتحركوا، أما الدبلوماسية العربية فقد تجمدت في مواقعها، وخشيت أن يرى نتنياهو في ذلك صوتا، وقد طالبهم بأن يصمتوا فصمتوا صوتا وحركة، وظلوا يطالبون كما نطالب.
خرجت تظاهرة كبرى في العاصمة الأردنية عمان تردد يا للعار.. يا للعار.. باعوا غزة بالدولار، وحديث يدور هنا وهناك حول بيع القضية وتجارة أربعة عواصم عربية ستقبض ثمن التهجير وإفراغ أرض فلسطين التاريخية من سكانها ليناموا فى صمت مطبق طلبا لرضا السيد الصهيونى في تل أبيب.
خيانات عربية
تاريخيا كنا نقرأ عن الخيانات العربية منذ بدء القضية، ولم نكن ندري أن الخيانة وصلت إلى الجينات، وأن الفارق الزمني بين نكبة 84 وبين نكبة 2023لم يكن سوى سنوات عاش فيها الشعب العربي وهم الاستقلال والتحرر والشعارات الرنانة التي ثبت مع أكتوبر 2023 أنها ليست إلا كلمات جوفاء.
هل سنحكي لأطفالنا الباقين على قيد الحياة والذين سيكملون طريق العيش مع ذات النماذج الحاكمة بأمر الله والباقية على صدر هذه الأمة الخائنة بطبعها وبجيناتها وبكل مكونات الإرث التاريخى في عصرنا الحديث؟
هل يكمل الليل طريقه في الإبقاء على ظلام يحيط بشعوب الأمة؟ وهل نقول لهم إننا كنا ولعقود طويلة حلفاء للشيطان الأكبر في واشنطن؟ هل آمنا به صاحب الحل وأن كل أوراق اللعبة فى يده وليس فى يد غيره؟ هل آمنا أنه إذا كان هو مالك أوراق الحل فهو وحده مالك أوراق اللاحل؟
هل أدركنا بعد حرب أكتوبر وبعد السابع من أكتوبر أننا نحارب عدوا ليس فى تل أبيب؟ هل أيقنا أن عدونا الوحيد هو الشيطان القائم في البيت الأبيض؟ هل عرفنا أن عدو الأمة هى أمريكا؟ وهل تعلمنا أنه لا الصين ولا روسيا ولا أوروبا تملك أن تحل لنا ما استعصى علينا وأن علينا وحدنا -ووحدنا فقط- أن ندير الأمر وأن نقاتل لأنه لا سلام بالاستسلام؟
هل وصلت إلى مسامعنا أن الخيانة ليست جينا نتوارثه وإنما هي نبت شيطاني للديكتاتورية؟ نعم، فالخيانة هي الابن الشرعي لكل حاكم يصور لنا أنه جاء بأمر السماء، وأن الاحتلال ليس فى فلسطين وإنما يقبع على عواصمنا العربية كلها.. نعم فالمحتل الجديد وطنى خالص، ومن جلدتنا، ويحمل نفس ملامحنا.
هل نعلم أبناءنا الصمت باعتباره فضيلة فرضها علينا إله القتل في تل أبيب؟ وهل نقول لصغارنا إن الصمت على الاحتلال وعلى القتل وعلى الخراب هو فرض عين وأن جهادنا ليس إلا صبرا على الوقوف في طوابير السكر والدقيق والزيت والسجائر؟!
هل نقول لأبنائنا إن أشقاءكم الصغار في فلسطين نالوا الشهادة وإنهم الآن في الجنة وإن العبور إلى الجنة لا يكتمل إلا قتلا تحت القصف الصهيونى المبارك؟! نعم، فهو مبارك من عواصمنا الرسمية التى صمتت طلبا للشهادة ودفعا لأبنائنا في فلسطين إلى الجنة.
أي حلم هذا! وأي نبل هذا! وأى تضحيات تلك التي قدمتها عواصم لا تزخر إلا بالقصور الفارهة وحكماء يوفرون لشعوبهم الطريق إلى الجنة.. نعم فالطريق إلى الجنة لا يمر إلا من بوابة الصمت وانتظار قنابل أمريكية الصنع ويلقى بها مجرمو العصر في عاصمة النبل الإنسانى.
وكيف لنا أن نغضب من نتنياهو أو من بايدن، فكلاهما يسهر على توفير كل صنوف القنابل والصواريخ التى تذهب بنا سريعا إلى جنات الفردوس وتنقلنا من دنيا ليست إلا دارا للشقاء..إن كليهما يمهدان الطريق لأبنائنا هناك.. ينقلونهم من خانة العيش تحت وطأة الديكاتوريات إلى جنات عرضها السموات والأرض.
هل نعلم أولادنا أن ينتظروا الموت صمتا وأن يصبروا على الحكام صمتا وأن يوقنوا أن الجهاد صمتا هو الجهاد الأعظم؟ وأن ما نراه من قصف لا هدف له إلا تخليص الأجيال القادمة من وطأة المحتل الوطنى ونقله سريعا إلى السرمد وإلى الأبد الذى لا نصب فيه ولا تعب؟!
هل نفتتح الحصة الأولى صباح كل يوم بثلاثى الموت في الأرض.. العدو الأمريكى والخائن العربى والجزار الصهيونى؟!