الثمار العشرة لنصر المقاومة
قولا واحدا لا يراه المهزومون في أنفسهم من أرباب الدعوة إلى الاعتقاد بأننا أمام عدو لا يقهر، انتصارات عشرة حققتها حركة المقاومة الإسلامية بكل تنوعاتها وتفريعاتها وتباينها في يوم السابع من أكتوبر العظيم، نجني ثمارها يوما بعد يوم، ويعترف بها القاصي والداني.
استسلم المفاوض الفلسطيني لسنوات طويلة إلى فكرة الوسيط الأمريكي وشركائه الغربيين، فلم نجنِ طوال هذه السنوات إلا الذل والإهانة والوصول إلى أجيال تناست القضية، لأن التعليم العربي كان أول المستسلمين لفكرة وهمية، أنه يمكن أن نبني سلاما من محطة الهزيمة.
وبلغ الذل قمته عندما قال الرئيس الفلسطيني ،محمود عباس، أبو مازن، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة :اعتبرونا حيوانات واحمونا..أليست للحيوانات حقوق، هل بعد هذا الذل ذل وهل بعد هذا الاستسلام استسلام..المهم أن أحدا لم يحمِ أبو مازن أو شعبه.
صحوة ضمير الإنسانية
في فجر يوم السابع من أكتوبر العظيم، استيقظ العالم على واقع غير الذي كان، حيث بدا واضحا أن المقاومة الفلسطينية قد نضجت عندما حققت الصدمة المدوية فجر هذا اليوم، بخطة تعمية وخداع لم يفعلها قبلهم إلا الرئيس السادات في حرب أكتوبر المجيدة، فسقط الكيان المحتل من الضربة الأولى.
أولى ثمار هذا النصر أن الكيان الذي يصور نفسه أنه لا يقهر..قُهر ووقع من أول ضربة وبدأ يتخبط طوال عشرة أيام وهو ينزف دما وذلا واستسلاما وقهرا، بعد أن لملم المقاومون وجمعوا ما أرادوا من ضربتهم وعادوا سالمين، بينما كانت عصابة إسرائيل تولول كما النساء.
مع بدايات الجنون الصهيوني على الأرض سقطت معه قيم صدرها الغرب حول هذا الكيان، بعد أن بدا واضحا أن السردية الصهيونية التي انفرد بها طوال 75 عاما بفضل سيطرته على الإعلام التقليدي سقطت أيضا تحت أقدام الإعلام الاجتماعي الذي فضح الغرب والمحتل، فكان ما كان، والذي لم يكن ممكنا فيما مضى.
تصورت عصابة الحكم في تل أبيب أن القوة الغاشمة وقتل الأطفال والنساء وهدم البيوت قد يصنع لها نصرا أو يحيط الموقف غموضا يتسللون منه إلى نصر وهمي، فما كان من هذا الهدم وهذا القتل والتدمير إلا أن أحال ما يتصورونه إلى هزيمة أخلاقية وسياسية وعسكرية واقتصادية لم يتصوروها.
أدى الهدم والقتل إلى صحوة ضمير الإنسانية بشكل ملحوظ، فعاصمة وعد بلفور شهدت مظاهرة مليونية هي الأولى في التاريخ دعما لغزة وأهلها، وفضحا لتل أبيب وأصدقائها، فما كان من رئيس وزراء بريطانيا الذي زار المحتل ثلاث زيارات في أيام معدودة على طائرة عسكرية محملة بأسلحة فتاكة إلا أن يتوارى ويتراجع ويخجل ويقيل وزيرة داخليته على إثر احتجاجات ضد وقوفها بلا قلب ولا ضمير مع الكيان المحتل.
هل ذهبت دماء الأطفال سدىً؟ وهل ضاعت دماء النساء والأبرياء تحت الأنقاض أو وارت الثرى في قبورها؟ لا وألف لا..لقد صنعت تلك الدماء نورا أحاط العالم كله، بما يعانيه هذا الشعب الأعزل، ومع تزايد القتل ومشاهد التدمير ثارت حفيظة أجيال عربية وإسلامية لم يكن لديها فكرة أصلا عن القضية.
إن جيلا جديدا في عالمنا العربي والإسلامي أصبح الآن جاهزا للحرب، وقد ولد هذا الجيل خلال شهر واحد من الدعم الغربي والأمريكي، مع مشاهد نقلتها عدسات الهواتف المحمولة، أصبحت كل هذه العوامل سببا رئيسيا في ولادة جيل أتصور أنه جاهز لما هو أبعد من فكرة القتال، وسترون ذلك في السنوات القادمة.
ثمار النصر العظيم
هكذا حصلت المقاومة الفلسطينية على شرعية شعبية جارفة ليس في عالمنا العربى أو الإسلامي فقط.. بالعكس امتدت لما هو أبعد من ذلك..صحيح المدافع عن وطنه ليس بحاجة للحصول على إذن بذلك أو صك أو شرعية غير أن ظهيره ومحيطه يحتاج إلى دعم واعتراف ضروريين.
ومن ثمار نصر السابع من أكتوبر العظيم أن تغييرا ملموسا في الرأي العام العالمي، قد جرت وقائعه بمظاهرات طالت الكونجرس الأمريكي، وداوونج ستريت، وقصر الإليزيه في فرنسا، وطاردت الرئيس الأمريكي في كل مكان زاره، أو موقع سافر إليه..بلجيكا تتبنى وجهة النظر الفلسطينية ومعها النرويج وإسبانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا وكولومبيا..حتى البحرين طردت سفيرهم!!
ومن ثمار نصرنا في هذا اليوم المدهش الرائع القضاء التام على مشروع الهرولة العربي صوب تل أبيب، فكل العواصم العربية التي جرت إلى هناك ولهثت خلف وعود العدو، وجدت نفسها في خندق واحد مع المعتدى والقاتل ومرتكب المجازر فما كان منها إلا أن عادت على خجل منها، ووصل إلى الكيان الصهيونى أنه مهما وقع ومهما ابتنى من علاقات من خلف جدران الشعب العربى، فإن أصحاب القضية كفيلون بهم وبالعدو وبالمطبعين.
ومن ثمار النصر الكبير كشف ستر دعاة الاستسلام الذين خرجوا علينا يحدثوننا عن ضحايا الحرب، وكأن الجزائر لم تدفع من دماء أبنائها الأبطال أكثر من مليون ونصف المليون شهيد ثمنا لحريتها واستقلالها..هل كان مطلوبا من الجزائريين أن يعيشوا حياة الاستسلام ويضحوا باستقلال وطنهم؟
ثم إن دعاة الاستسلام وأصحاب الأجندات الأمريكية في بلادنا قد فضحوا عندما خرجوا للحديث عن المدنيين والأطفال والنساء الرهائن، دون أن يكتشفوا أن المقاومة في مفاوضاتها تتفاوض على نساء وأطفال يقبعون في سجون الاحتلال منذ عقود دون أن تتحرك لهؤلاء شعرة في رؤوسهم.
كشفت مفاوضات المحتل مع المقاومة عن واقع غائب عن الرأي العام، لما يتعرض له أطفال فلسطين ونساؤهم وفتياتهم وشيوخهم دون جريمة اقترفوها، فيما يسمى بالاعتقال الإداري أى دون تهمة أو جريمة..هكذا اعتقال وسجن دون جريمة واستفاق العالم على ما كان يتجاهله أو يتغاضى عنه أو لا يعرفه.
ومن ثمار النصر العظيم أن أمريكا بجلالة قدرها حركت أساطيلها لمواجهة ألف وخمسمائة مقاتل من فصائل المقاومة..حركوا جيوش أمريكا وغواصات ألمانيا وسفن فرنسا وجاءوا بأسلحة فتاكة من لندن وواشنطن..أليس هذا نصرا عظيما يؤكد أن زمرة من أولادنا قادرون على النصر؟
منذ عقود والقضية الفلسطينية منسية في عواصم العرب والعجم، أليس من ثمار النصر أن يتحرك الجميع الآن تحت شعار حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين في وطن مستقر وآمن وقادر على الحياة.. إنها ثمار النصر العشرة ولكنكم تعيشون في كهف الهزيمة، بل وتعيش في نفوسكم قوى الاستسلام والوهن والضعف؟