أيُّ دليل تريده أمريكا؟!
أىُّ منصف، فضلًا عن أن يكون ذا ضمير حي أو حتى متعاطفًا مع الإنسانية، لابد أن يحكم بعقله وفطرته بأن ما تفعله إسرائيل في أشقائنا في غزة جرائم حرب مكتملة الأركان وغير مسبوقة.. العالم كله يرى ذلك ويعترف ببشاعته.. إلا الخارجية الأمريكية فلها رأي مختلف؛ ذلك أنها بعد كل هذا الدمار وسفك دماء الفلسطينيين الأبرياء الذين سقط منهم أكثر من 15 ألف شهيد، ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى، تقول: إنها لم تر أي دليل على أن إسرائيل تقتل المدنيين عمدًا.
ويبدو طبيعيًا في ظل هذا التضليل المتعمد أن نحكم مطمئنين بأن أمريكا لم تعد وسيطًا عادلًا ولا نزيهًا؛ وحتمًا ستسقط في مستنقع غزة، كما سقطت من قبل في مستنقع فيتنام وأفغانستان، وتصبح مصداقيتها في مهب الريح..
فهى تصر على إنكار جرائم ووحشية إسرائيل رغم كثرة ما نراه من مشاهد القتل الجماعي، تتناقلها فيديوهات وشاشات تجوب العالم شرقا وغربا، وتنشرها صحف وفضائيات أمريكا ذاتها، فضلًا علي ما تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصالات ليل نهار، من استهداف إسرائيلي متواصل للمدارس واقتحام المستشفيات وقصف مراكز إيواء النازحين التابعة للأمم المتحدة..
مثل إستهداف مدارس الأونروا أكثر من مرة خلال شهر نوفمبر الماضي، وقتل المئات داخلها من نساء وأطفال، وهى جرائم ممنهجة طالت أماكن إيواء النازحين الذين زادت أعدادهم على 1.9 مليون نازح داخل قطاع غزة، ناهيك عن تدمير 300 ألف وحدة سكنية في القطاع بشكل كلي أو جزئي، ما يعني تدمير60% من مباني القطاع وبُنيته التحتية.
سقوط الإنسانية في غزة
إسرائيل لم تتورع -حسب تقارير دولية- عن استخدام أسلحة محرمة دولية، كقنابل الفسفور الأبيض الحارقة، وقتل الأطفال الذين أكدت اليونيسيف أنهم يتعرضون لأسوأ ظروف الحياة على الإطلاق.. ناهيك عن شهادات الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو جوتيريش أن رد فعل إسرائيل جاوز حدود رد الفعل وتجاوز كل قوانين وأعراف الحروب..
لكن وزير الخارجية الأمريكية الذي يفاخر بيهوديته من أول يوم لاندلاع الحرب في غزة، ومن أول زيارة قام بها للكيان، لم ير في كل تلك الجرائم الوحشية أي دليل على تعمد إسرائيل قتل المدنيين!
فأي دليل تريد أمريكا وهى التي لم تكتف بإعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو ليفعل ما يريد بالفلسطينيين، بل أمدته بالمال والعتاد والسلاح والغطاء السياسي والدعم الاستخباراتي والتكتيكي وحتى الجنود والقادة في ميدان القتال!
لقد سقطت أقنعة أمريكا والغرب وسقطت تلك المعايير الوهمية التى وضعتها واشنطن كمساحيق تجميل تُزيف بها حقيقتها، وتصنع منها بروباجندا دعائية فجة تزعم أنها بلاد الحقوق والحريات وشرطي الديمقراطية في العالم.. كل هذا سقط اليوم في حرب غزة، ولم يعد له وجود وربما يكون هذا السقوط الأخلاقي دافعًا ومؤسسًا لنظام دولى جديد متعدد القطبية وأكثر عدالة وإنسانية!
وظنى أنه مهما تكن نهاية تلك الحرب الظالمة، ومهما تكن نتائج تلك المعارك المجنونة التى شطح فيها نتنياهو ووزير حربه بخيالهما المريض لدرجة التهديد بإغراق أنفاق غزة بمياه البحر واستمرار تدمير القطاع لجعله أرضًا محروقًا فسيذكرها المؤرخون على أنها حد فاصل بين الإنسانية وبين التعرى من كل القيم والأخلاق..
وهى ستغير مجرى الأحداث والتاريخ، وتعيد هيكلة ميزان القوى العالمية، وتبدل المفاهيم والتصورات الوهمية.. وحتما سيصبح العالم ما بعد الحرب غير العالم الذي كنا فيه قبل 7 أكتوبر.. وسيدخل العرب التاريخ من أسوأ أبوابه.. باب التفريط والقاعس وربما التواطؤ حتى ولو بالصمت المريب!