اجعل من يراك يدعو لمن ربّاك
العلاقات الاجتماعية الناجحة لا تقاس بطول العشرة، إنما تُقاس بجميل الأثر ومكارم الأخلاق فاحرص على أن تجعل من يراك يدعو لمن ربّاك.. فكم من تعارف قصير المدى لكنه بجماله وهدوئه كان أعمق وأنقى من علاقات طالت دون فائدة، بل ربما خلق طول الأمد مع سوء المعاملة نوعًا من الملل والسآمة والتنافر والحقد والضغائن نرى كثيرًا منها في حياتنا اليومية..
فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.. وخير ما يأسر القلوب كلمة طيبة أو هدية بسيطة غير متكلفة، تؤلف بين القلوب، وهو ما دعانا إليه سيد الخلق بقوله "تهادوا تحابوا".. الهدية عطاء عن طيب خاطر، وبذلٌ يبنى جسور المودة ويقوى روابط المحبة والألفة بين المتحابين، فهي تجبر الخاطر وتترجم مشاعر الحب إلى عطاء ملموس يعكس قدر المُهْدَى إليه في قلب المُهْدِي.
العلاقات الناجحة يلزمها تفهم وإعذار والبعد عن كثرة العتاب والملام؛ فكثرة اللوم تميت الحب، وتزيد الخلافات اتساعًا؛ ومن ثم فكما تترك بعض الأطعمة تبرد قليلا ليسهل عليك أكلها، فاترك بعض الخلافات تهدأ قليلا لـيسهل عليك حلها..
كسب القلوب أم كسب المواقف
وهنا تحضرني مقولة ذهبية مفادها أن كسب القلوب أولى من كسب المواقف.. فماذا يضيرك لو تنازلت لمن تحب عن موقف هنا تكون كسبته هو وخسرت الموقف؛ فأيهما أحب إلى قلبك، وأيهما أفضل وأكثر نفعًا..
ومع الوقت سيعرف من خسرت لأجله هذا الموقف أنك طلبت رضاه وجاهدت للحفاظ عليه ساعتها ستكسب قلبه وصداقته.. وهكذا يتأكد أن بعض التغافل فطنة.. فلن تجد إنسانا كاملًا بل النقص شيمة البشر.
لا تندم على نية صادقة منحتها ذات يوم لأحد لم يقدرها، بل افتخر أنك كنت ومازلت إنسانًا يحمل قلبًا طيبًا بين أناس لا يفقھون.. يقول الإمام على كرّم الله وجهه: إصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صادف أهله فهو أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله.
وإذا تذكرت شخصًا وأنت وحدك فتبسمت فاعلم أن بينكما محبة صادقة، فلا تبخل بأن تخبره بها حتى يؤلف الله بينكما؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ" رواه أبو داود.
وجاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهُ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ).
الحديث مع الناس كالخياطة فأنت الخياط وكلامك الإبرة، إن أحسنت الخياطة. صنعت ثوبًا جذابًا غاليا وإن أخطأت لن تجرح إلا نفسك.. فكل ما تصنعه راجع إليك فأحسن إلى نفسك.
لا تكثر من الشكوى فيأتيك الهم، لكن أكثر من الحمدلله تأتيك السعادة.. ومهما اختفت من حياتك أمور ظننت أنها سبب سعادتك، تأكد أن الله صرفها عنك قبل أن تكون سببًا في تعاستك.. وحتى مع غياب من نحب رغم أنه أصعب على النفس؛ لكنه مع امتصاص الصدمة يصبح كغياب اللون عن الصورة، هو لا يفقدنا الحياة، إنما يفقدنا طعم الحياة؛ فاصبر فإن الله قادر على جبر خاطرك.
القلوب الطيبة أغلى من الذهب فهي لا تصدأ أبدا حتى لو أنهكها التعب.. مجرد مسحها بكلمة جميلة يظهر بريقها مرة أخرى!.