الحرب الصهيونية الدينية في فلسطين
من المعلوم أن اليهودية ديانة، لكنها صُكت كمصطلح سياسى على ألسنة الساسة الإسرائيليين منذ نحو عِقد أو يزيد، باعتبارها عنوانا مرادفا للدولة الإسرائيلية التى جرى الاعتراف الدولى بها بقرار التقسيم الصادر 1947، ولهذا يستدعون معركة هرمجدون من أضابير التوراة التى ستقع في محيط سهل مجدون في فلسطين، وأن المسيح المخلص سيقود جيوش اليهود المؤمنين ويحققون النصر على الكفار، ويسود اليهود العالم.
وذلك من خلال المسيحية الصهيونية وهى: مجموعة المعتقدات الصهيونية المنتشرة بين المسيحيين، خاصة بين قيادات وأتباع الكنائس البروتستانتية، تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين بوصفها حقا تاريخيا ودينيا لليهود، ودعمها بشكل مباشر وغير مباشر، باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة -فلسطين- هى برهان على صدق التوراة..
وضرورة حتمية لأنها تتمم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وعلى اكتمال الزمان وعودة المسيح ثانية، وحجر الزاوية فى الدعم الشديد لهؤلاء المسيحيين لإسرائيل هو الصلة بين دولة إسرائيل المعاصرة وإسرائيل التوراة، لذلك أُطلق على هذه الاتجاهات الصهيونية فى الحركة الأصولية اسم الصهيونية المسيحية.
ويمكن تعريفها: بأنها المسيحية التى تدعم الصهيونية، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم مسيحيين متصهينين. وتتلخص فكرة هذه الحركة فى ضرورة المساعدة لتحقيق نبوءة الله من خلال تقديم الدعم لإسرائيل والدفاع عنها وعدم نقدها. يحدث ذلك رغم الحقيقة التاريخية المتمثلة في أن الصهيونية تقع في سياق دينى، ورغم أن مؤسسى الحركة كانوا في الغالب من الملحدين.
حرب إبادة
لقد استخدموا الدين فقط كأداة سياسية لتوحيد اليهود عالميًا حول أيديولوجيتهم الجديدة، ولإضفاء الطابع الرومانسى في أذهان أتباعهم على ما هو في الأساس حركة استعمارية استيطانية عنيفة،
لكل ذلك يشعلون موجة كريهة للحرب الدينية على المسلمين في القدس تتلاقى مع انبعاثات موجة اليمين الشعبوى المتطرّف..
مع محاولة نتنياهو تحويل الصراع السياسى إلى صراع دينى، وبتحويل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من صراع إقليمى حول الأرض إلى حرب دينية في محاولة المحتل لفرض واقع التقسيم الزمانى والمكانى، وإثباتهم حق اليهود في القدس.
وتلك المجازر المتواصلة وجرائم الإبادة في غزة واستهداف الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست اعتباطية. هؤلاء الأطفال والنساء الذين استشهدوا، وتلك المستشفيات والمساجد التي قصفت لم تكن نتيجة أخطاء في تحديد الأهداف المراد تدميرها، بل كانت نتيجة تخطيط ممنهج وتربية ملوثة بالدماء وتحضير ذهني قائم على كراهية عمياء لكل ما هو عربي.
وإستجابة لنصوص دينية محرفة مبتورة من سياقها التاريخي يستند إليها كبار حاخامات اليهود الذين يلعبون دورًا بارزًا ورئيسًا وموثرًا في تشكيل الوعي الديني والسياسي داخل المجتمع اليهودي؛ فأحبار اليهود تغلغلوا في كل مكان داخل المجتمع، في المدن والمستوطنات، وفي الكنيست وأحزابه، وفي المحاكم الربانية، وفي دور العبادة، وفي المؤسسات التعليمية والأمنية وغيرها..
وفرضوا كلمتهم على القادة والسياسيين من خلال الفتاوى التي تعدُّ أمرًا واجب التنفيذ من قبيل العمل بـ "لا تَحد عن الأمر الذي يخبرونك به يمينًا أو يسارًا" (سفر التثنية)، والسير وفق وصية "اجعل لك حاخامًا".
وتقول التوراة في سفر التثنية، الإصحاح رقم 20: “إذا تقدمتم لتحاربوا مدينة فاعرض عليها الصلح، فإن قبلت الصلح، فكل الشعب يعتبر مستعبدا لك، أما إذا رفضت الصلح، فحاصرها، فإذا استسلمت لك، وكانت من ضمن المدن القريبة أو الشعوب القريبة -منطقة الشرق الأوسط- فلا تترك منهم نسمة، اقتلهم جميعا رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا” وهو ما يحدث الآن حرفيا في غزة.