أكذوبة شعب الله المختار
في حملة الأكاذيب والتضليل في تفسير الكتب السماوية أغرق اليهود العالم في الاستعلاء بزعم أنهم شعب الله المختار وأن الله إصطفاهم، ومن المعلوم أن الاصطفاء والاختيار ليس لجنسهم ولا لونهم، ولكن لكثرة الأنبياء فيهم.
فقد قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي. ولكنهم كفروا هذه النعمة وتنكروا لما جاءت به الأنبياء فاستحقوا غضب الله عز وجل ولعنته، وضربت عليهم الذلة والمسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، ومنهم من مسخهم الله قردة وخنازير..
و القرآن الكريم نفسه كذب هذه المقولة، بدليل قوله تعالى في سورة المائدة: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ”.
وقضى الله عزَّ وجلَّ عليهم بالتشريد والعذاب والمسكنة والغضب عليهم، قال تعالى: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا”
ولم يحدث أن هناك شعبا غضب منه الله مثلما غضب من اليهود، أما الوعد الذى أعطاه الله أولا للآباء كانت له ظروفه، وكان له شروط خاصة ومدى زمنى معين إنتهى فيه، فالعالم قديما كانت تسوده الوثنية وعبادة الأصنام..
وأراد الله أن يحفظ مجموعة من الناس بعيدا عن التأثير الوثنى في أرض الآباء والأنبياء، فكان نسل أبينا إبراهيم، ونسل حفيده يعقوب هو إسرائيل، وأعطاهم الله وعدا أن يعيشوا لكى يحفظوا الإيمان إلى أن يأتى الوقت لينتشر فيه الإيمان في الأرض كلها وتذوب الوثنية وعبادة الأصنام ولكنه كان وعدا مشروطا.
أرض الميعاد وشعب الله المختار
ولما ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعل الله عز وجل خير الناس أتباع هذا النبي فقال سبحانه: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران) وقال سبحانه: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس فلا فرق بين أسود وأبيض، ولا ميزة لفرد على آخر، ولا فضل لإنسان على إنسان عند الله إلا بالتقوى”.. وهو المقياس الصحيح.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”، وبالنسبة للفكر المسيحى، فالعبرانيون هم أولاد إبراهيم، وهم نسل إسحاق ويعقوب، وأصبحوا اليهود، وبعد ذلك بدأت القصة تتخذ منحى أن الله يريد أن يخلص البشر..
ولكن هذا الشعب لم يخصه الله دون غيره، بدليل أنه أرسل يونان إلى شعب نينوى، وهو ليس شعبه، ورواية شعب الله المختار تم تفسيرها خطأ، فالله ليس له شعب أو أمة مختارة، بل الأمة التى ترضى الله جاءت فى الكتاب المقدس: مبارك شعبى مصر..
وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نستغل هذه البركة الخاصة من الله لنا. أما عن القدس، فاليهود يسمونها أرض الميعاد، ويقولون إنهم عاشوا فيها بوعد من الله، ولكن البابا شنودة يقول إنهم جاءوا إليها ليس بوعد من الله، أما أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا قط شعبا واحدا ذا وحدة يهودية عالمية، ويتسق بهوية واحدة ويبحث عن وطن قومى..
وأن القضايا الخاصة بالهوية اليهودية لم تحسم بعد. وهناك مثلا قانون العودة الذى صدر بعد إعلان قيام الدولة عام 1948، وينص على أنه يحق لكل يهودى أن يهاجر إلى إسرائيل، لكن واضعى هذا القانون لم يحدد أى يهودى تحق له العودة..
كما لم يعرفوا بالضبط ما اليهودية التى يؤمن بها هذا اليهودى في ظل تعدد الموروثات الدينية والعرقية للجماعات اليهودية التى لم تستمد هوياتها من هوية يهودية عالمية، بل من مجتمعات عاشت في ظلها، ما يدحض المقولة التى يرددونها طوال الوقت بأنهم شعب الله المختار..
وهكذا فإن فكرة شعب الله المختار، قد انتهت، فهل من المعقول أن الله يترك آلاف الملايين الذين يعبدونه الآن، ويختار بضعة ملايين يحتلون أرض فلسطين؟! ولعل أبرز تساؤل أمام أعيننا الآن هو كيف لمجموعة من اللصوص سرقوا الأرض وانتهكوا العرض وحرقوا الأخضر واليابس وقصفوا المبانى وقتلوا الأطفال واغتصبوا النساء ودمروا المدارس والمستشفيات ويريدون محو تاريخ الأمة ويسعون في الأرض فسادا، أن يتصفوا بشعب الله المختار؟!