رئيس التحرير
عصام كامل

طوفان الإيمان في غزة

منذ السابع من أكتوبر الماضى، تغيرت كثير من الأمور، أهمها على الإطلاق البعد الإيمانى الذى أثار كثيرا من الأسئلة في عقول الكثيرين من العرب والمسلمين وغير المسلمين أيضا.. كيف ذلك؟
أولا، حق للجميع أن يتسائل: كيف يمكن لشعب محاصر تماما منذ 15 عشر عاما أن يقهر أو على الأقل يقف بالمرصاد وبكل ندية لثلاث قوى غاصبة معادية له ومتحالفة ضده بكل فخر وفجر ووقاحة أيضا!


كيف يمكن لشعب يعيش في قطاع ضيق يفتقر للثروات الطبيعة أن يصنع سلاحا، ويحفر أنفاقا ويقاوم أناء الليل وأطراف النهار دون جيش نظامى، ودون حكومة معترف بها ودون خبراء إقتصاد ودون كل شىء تقريبا..

 

بينما هناك حكومة إحتلال حقيرة على بعد خطوات منه، وحكومة أخرى محسوبة عليه بينما هى تأتمر بأمر العدو وترضخ لأحلامه مقابل سيادة إسمية لها وتمثيل دبلوماسي محدود وحماية من العدو، وقبل كل ذلك رعاية مادية.

إيمان لا محدود

الإجابة على كل تلك الأسئلة العسيرة، يتلخص فى كلمة واحدة.. الإيمان، نعم الإيمان الذى جعل منهم أسطورة إنسانية وقتالية وأخلاقية كنا نقرأ عن مثلها فى كتب التاريخ ونقول ربما هى مبالغة أو أساطير، وأحيانا يساورنا الشك قليلا فى مدى دقتها.. 

 

لكن ما صنعه كل الشعب الفلسطيني المؤمن الحر في قطاع غزة وليس فقط من يحملون السلاح من رفاق أبى عبيدة، جعلنا نرى التاريخ معادا، فها نحن نرى بدرا وتبوك والأحزاب والقادسية وذات الصوارى وقبلهم خيبر، وقريبا بإذن الله فتح كفتح مكة.

 

إنه الإيمان بالله الحق الذى يحب الحق ويتسمى به ويؤيد من يسعى لحقه، إنه الإيمان بالأرض العرض الغالية، الإيمان بالإنسان والحرية والعيش المشارك للجميع، الإيمان بقيمة العدل المغيب قسرا عن كل فلسطينى منذ وعد بلفور الوقح فى بداية القرن العشرين حتى قيام دولة الكيان ف ١٩٤٨.

 

هذا الإيمان الذى منح مقاتلين أشداء عتادا وسلاحا ليس معهم، فمجرد قداحة صغيرة أو كما يقال بالعامية ولاعة سجائر تدمر بعون الله وبركته دبابة ميركافا بملايين الدولارت.. ثقة متناهية في الإله الواحد الأحد، وفي وقوفه بجانب الحق وكأننا نرى الآية الكريمة (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ) مجسدة صوت وصورة أمامنا بكل وضوح.

 

إنه الإيمان برسالة الإسلام التى تطمئن كل من هو على الحق بأن كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وأن هذا الدين دين حق ومودة وشرف وإنسانية حتى مع العدو نفسه، ولعل رسالة شكر الأسيرة الإسرائيلية بالأمس للمقاومة على فرط إنسانيتها معها، ومع طفلتها أثناء أسرهم، أعظم دليل على خلق الإسلام.. 

 

والإنصياع التام لتعليم صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام الذى بلغ رسالة ربه بإطعام الأسير والإحسان إليه، وعدم قتل الطفل أو الشبخ الكبير أو النساء.. دين يحارب بشرف لفرض الحق أو إنتزاعه ممن إغتصاب دون وجه حق.. ولكن بكل رقى وإنسانية وتحضر.

لا نخجل من ديننا

لذا لا نخجل من ديننا وليس علينا أى حرج في أن نفتخر بأن هذا هو خلق الإسلام، حتى وإن غاب عن كثير من المسلمين إسما، فهناك من يحمل هذا الخلق ويحتمى به وينال به إحترام الجميع حتى ألد أعداءه.. 

 

 

أما المتصهينون العرب الذين يقدحون في المقاومة وحماس لأنها تحمل يافطة إسلامية، فهؤلاء أحقر وأقل من أن نذكر اسمهم أو نلومهم، فمن باع دينه وعرضه وشرفه وإنسانيته ومبادئه ببضعة دولارات، فلا يستحق التوقف عنده كثيرا بعدما أغرقه طوفان إيمان غزة في وحل لن ينجو منه ولن ينفع معه إغتسال أبد الدهر.
Fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية