في حضرة غزة
ربما تعجز كل مفردات اللغة عن التعبير عما يحدث في غزة على مدار أكثر من شهر ونصف تقريبا، فالبطولة والتضحية والنبل والفداء والجهاد والوطنية، والإيمان والثقة بالله والمثابرة وكافة القيم النبيلة تصارع وتقاتل أنذل وأحط وأحقر وأشرس وأسوأ خلق الله، الذين إحتلوا وطنا عنوة وأرادوا فرض سيطرتهم عليه كما فعلوا في أماكن أخرى.
لكن هيهات هيهات.. فالطفل الفلسطيني عامة والغزاوي خاصة برجال كثيرة منهم، يولد ليحيا بكرامة زرعتها فيه أم مجاهدة وأب مناضل وعم شهيد وجد يحتفظ بمفتاح بيته العتيق منذ نصف قرن، فإن لم يجد كرامته في أرضه يجاهد لينالها عند ربه بكل إيمان وصدق ومحبة ويقين، بأنه إن إستشهد فهو حى في السماء يرزق ويسعد عند مليك مقتدر.
بركان غزة
فوهة بركان تفتح في شوارع غزة ودروبها وأزقتها، فتلقى بحمم بركانية على العدو الحقير الذى يظن أن البركان سيخمد بعد أيام متسلحا بقوته الغاشمة، فيجد نفسه في ورطة يلجأ فيها لقصف المباني السكنية الآمنة المسالمة والمشافى العامة، وحتى دور الحضانة ومراكز الأطفال الخدج لم تسلم من نذالتهم وبشاعتهم القبيحة. حتى يعوض خسائره المعلنة في الأفراد والمعدات.
هيروشيما ونجازاكى يتكرران فى غزة
تؤكد مراكز الإحصاء الصادرة عن دول غربية تساعد أنظمتها العدوان الإرهاب على غزة أن حجم القنابل التى أسقطتها أمريكا الحليف الأول لإسرائيل على غزة في خلال شهر يفوق ما ألقى على مدينتى اليابان في منتصف القرن الماضى..
لكن الفرق كبير بين الضمير الغربى في موقفه من كل حدث، فأهل غزة مسلمون وعرب وهذا يكفى جدا لسبات وغياب ضميرهم بكل إرتياح وهو يرى أشلاء الأسر الفلسطينية في كل مكان.
اوكرانيا وغزة
ما يقرب من 12 ألف شهيد حتى يومنا هذا منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر المنقضى، وهذا الرقم يفوق عدد قتلى سكان أوكرانيا منذ بداية حربها مع روسيا منذ عامين تقريبا، ورغم ذلك لم نر أى تحرك دولى أو أممى جاد لوقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقى المعلن بحق الفلسطينين في غزة..
هذا عالم خالى من القيم الأخلاقية، عنصري، يعدم إنسانيته يوما بعد أخر ينظر للدين واللون والعنصر ثم يحدد إنحيازه بعد ذلك.. بالطبع هناك بعض من دول أمريكا اللاتينية مثل تشيلى وفنزويلا وبيرو وكوبا إتخذت مواقف محترمة وقطعت علاقتها بالعدو الإرهابى، وإتخذت نفس الموقف أيضا دولة جنوب أفريقيا، لكن باقى العالم يشاهد ولا يكترث.
القمة العربية الإسلامية
تم عقد القمة في الرياض فى الحادى عشر من نوفمبر بعد أن عاثت إسرائيل فسادا ولم يتوقع أحد من القمة خيرا وبالفعل لم تخيب ظن أحد، فحتى الشجب المعتاد والإدانة المكررة غابت عن القمة، وبقى الكلام الكثير الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع فعلى واقع بشعب أعزل مناضل له الله وحده، ثم قلوب الشعوب المقهورة عليه ولا حول لها ولا قوة.
غزة تعلم العالم
غزة الجريحة المكلومة المناضلة علمتنا جميعا معنى الهوية، تنزف نعم لكنها تحيى شعوبا وتوقظ هويات كادت أن تضيع في عولمة إستهلاكية. صار من الطبيعى جدا أن ترى أطفالا صغيرة تهتف لغزة في الشوارع، أو ترسم أعلام فلسطين على وجوهها، فالبراءة تجد نفسها في رحاب غزة وحضرتها..
يهتف الشباب في الملاعب لروح غزة والقدس كلما تمكنوا من ذلك، أدرك الجميع أن الهوية على المحك وأن مقاطعة كل حلفاء العدو ومنتجاته هى نوع من الواجب المقدس، تيقنوا من تفاهة كثير من الرموز الوهمية في الملاعب وعلى المسارح والشاشات وعلموا جيدا من يكون رمزهم وفخرهم الإنسانى الحقيقى.. تحية لكل مناضل في غزة وفي فلسطين وفي كل مكان في العالم.
Fotuheng@gmail.com