المقاطعة ومنافسة المنتج المحلي وحل أزمة الدولار
مع الحملة الغاشمة على غزة وما يعانيه أهلها من عدوان ظالم لا يقره شرع أو قانون، ويقف العالم متفرجا على ما يحدث من إبادة جماعية لأهل غزة، وقتل للأطفال وجرائم حرب دون أن يحرك ساكنا، بل تساند أمريكا بترسانتها وأساطيلها دولة الاحتلال بكل صلف وغشم، كل ذلك حرك النخوة في نفوس المصريين، فاتجه الشباب لاستخدام سلاح مقاطعة البضائع الأجنبية من الشركات التي تساند الصهيونية وعدوان إسرائيل..
وبدأ الناس بالبحث عن بدائل للمنتجات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، وانطلقت حملات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي داعية إلى مقاطعة شركات تجارية عالمية تدعم إسرائيل، ولا شك بأن كثيرا من الشركات العالمية، وضمن البنية العالمية للاقتصاد (الرأسمالية العنصرية)، شريك في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي اليوم على شعبنا في غزة المحاصرة.
وبين الفينة والأخرى نجد قوائم متعاقبة يتم تحديثها تضاف إليها منتجات فتدخل في إطار مقاطعة، وتزاد أخرى إلى قوائم بديلة فتأخذ صك القابلية للشراء كون إنتاجها ليس من شركات أعلنت دعمها لإسرائيل خلال الحرب على غزة، فيما تصبح المنتجات الإسرائيلية والأميركية قطعًا ضمن حملات المقاطعة الأخيرة.
وتدفع العاطفة الشعبية الجياشة ل مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل متضامنة مع الفلسطينيين لممارسة ضغط شعبي على اقتصادات دول ممولة للحرب وشجبًا للإبادة ضد المدنيين والأبرياء.
ويؤكد بعض الخبراء أن سلاح المقاطعة تم استخدامه كثيرا من قبل لكنه لم يؤتي ثماره المرجوة..
المقاطعة الشعبية وتأثيرها
فبمراجعة محطات تاريخية عدة لحملات المقاطعة الشعبية، وحجم تأثيرها في مجريات التطورات والقرارات السياسية الكبرى، فإنها تكون محدودة التأثير السياسي والاقتصادي، لكنها توسع إطار تأثيرها المعنوي والإعلامي والاجتماعي.
أي أن المقاطعة تاريخيًا لم تنجح في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية لأسباب عدة، منها عدم كونها شاملة موسعة تشمل أسواقًا كبرى وعدم الالتزام الجماعي الحاسم بها، وتشير إلى أنها لم تتمكن من تغيير مسار الأحداث السياسية والقرارات الكبرى ما لم تكن مقاطعة واسعة غير محصورة بسوق محددة، وإلا فالخسائر ستظل قليلة لا أثر لها لتغيير مجريات الأحداث والتأثير في القرارات السياسية.
ويرى البعض أن دعوات المقاطعة قد تضر بالاقتصاد الوطني لأن هذه الشركات عبارة عن امتيازات وعلامات تجارية يتم شراء اسمها وما يتبقى يصبح جزءًا من السوق المحلية ضمن سلسلة الإمداد والتوريد المحلية.
فكثير من الشركات التي تتم الدعوة لمقاطعتها تعمل ضمن محركات السوق المحلية وقدراتها التشغيلية، من شراء المواد الأولية الأساسية من السوق المحلية، وتشغيل اليد العاملة المحلية. وقد ظهر أثر ذلك أثره في بيانات صدرت عن شركات مالكة لعلامات أجنبية، فأعلنت أنها مصرية 100 في المائة..
وتوفر فرص عمل للمواطنين، وعلاقتها بالشركة الأم تقتصر على استخدام العلامة التجارية فحسب، والحصول على خبرة ومعرفة لازمتين لتشغيل الأماكن بأفضل جودة ممكنة، وبعضها نشر ما مفاده دعم المبادرات الإغاثية المقدمة إلى الأسر الفلسطينية في غزة.
ورغم ذلك فإن الغضب الشعبي من بعض الشركات الأصلية الأم التي تظهر دعمها لإسرائيل في حربها على غزة جعل المصريين لا يجدون سوى سلاح المقاطعة لاسم هذه الشركات في مصر خاصة تلك التي أعلنت دعم سلاسلها لجنود إسرائيل، وتقديم وجبات مجانية لهم..
ونشرت صورًا لتلك الوجبات وهي مع قوات إسرائيلية، تحمل شعار بعض الشركات، ما استدعى غضبًا واسعًا من ذلك الدعم والتلويح بالمقاطعة، ثم مباشرتها على أرض الواقع، وشمل الأمر سخرية، على شاكلة "اطلبوا تلك المنتجات ثم لا تستلموها. هذا سيضيف إلى خسائر تلك الشركات".
وحول تأثير فكرة المقاطعة على ما يطلق عليه الشركات الداعمة لإسرائيل، يوضح خبراء أنه في المدى القصير لن تؤثر فكرة المقاطعة على إسرائيل بسبب الدعم الأميركي الكبير لها والتعويضات التي ستدفعها الولايات المتحدة لتل أبيب، وهو ما شدد عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، وأكد أنه طلب من الكونغرس الأميركي تمويلا لدعم إسرائيل.
ولكن من ناحية أخرى، قد يكون سلاح المقاطعة فرصة ذهبية لزيادة الإقبال علي المنتج المحلي وتخلق حالة من التنافس ورواج للمنتج المصري. فتأثير مقاطعة المنتجات العالمية التي يقال أنها تدعم إسرائيل، في حربها ضد غزة، محدود ولم يتعد 10% فقط من حجم المبيعات حتى الآن، لأن الشركات المحلية لم تستطع تغطية احتياجات السوق بالكامل.
ونجد أن العلامات التجارية المصرية التي تعتبر بديلة للعلامات العالمية التي أدرجت ضمن المقاطعة الشعبية، زاد الطلب عليها من قبل المستهلك المصري، لكنها لم تستطع تغطية متطلبات السوق المحلي بأكمله وعلى هذه الشركات استغلال هذه الحالة بزيادة إنتاجها وتواجدها بقوة في السوق وأن تحجز لنفسها حصة بالأسواق المحلية.
وعلى ذلك ينبغي التزام منتجي السلع الغذائية التي تشهد إقبالا كبيرا بعد حملات المقاطعة بكتابة بيانات السلعة على غلاف العبوة مثل (سعر البيع للمستهلك، وزن العبوة، تاريخي الإنتاج والإصلاحية) وأن يلتزم البائع بالسعر المعلن. وعلى المنتجين المصريين استغلال هذه الفرصة لحجز مكان لهم والسيطرة على حصة كبيرة من السوق في ظل نشاط حالة المقاطعة لبعض الماركات العالمية.