حق الاختلاف.. فريضة غائبة!!
الذكاء الاجتماعي أهم أنواع الذكاء الذي تحتاجه المجتمعات؛ فأصحابه يملكون القدرة على إقامة علاقات طيبة متصالحة مع من حولهم، وينجحون في تشييد جسور تفاهم ومودة تضمن وحدها مجتمعًا متجانسًا متكاملًا متماسكًا، ثم منتجًا متقدمًا.
مثل هذا الذكاء له شروط ومقومات أساسية أهمها في رأيي الإيمان ب حق الاختلاف؛ فأنا لستُ أنت، وليس شرطًا أن تقتنع بما أقتنع به، ولا أن ترى ما أرى.. فسنة الله في الكون الاختلاف.. يقول الله تعالى: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ” (هود: 118).
إذن فالاختلاف شيء طبيعي في الحياة ما دام لا يفضى إلى نزاع وخلاف فهنا نقع في محظور حذر منه القرآن بقوله تعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".. فليس من الضرورى أن ترى ما أرى؛ وليس بمقدور أي إنسان أن يرى الأمور من كل الزوايا؛ فقد علمت شيئًا وغابت عنك أشياء.. ولذلك قال الله تعالى: "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ".
الاختلاف ليس معناه الخلاف والخصام والعداء، بل هو تنوع يفضي إلى التكامل، وهو شيء إيجابي إذا ما أبصرناه من هذه الزاوية؛ فما تصلح له أنت، لا يصلح بالضرورة له غيرك، وما يضايقك قد لا يضايقني، اختلاف الأفهام أمر طبيعي لا جدال فيه، ومن ثم فإن الحوار الإيجابي طريق للتفاهم وبناء جسور الثقة والتعاون شريطة ألا تكون هناك قناعات مسبقة يحاول كل طرف إلزام الآخر بها..
وهنا نصل لقاعدة أخرى ذهبية، وهي أن الحوار للإقناع وليس للإلزام وهو ما يعني أنه لابد أن تساعدني على توضيح رأيي ولا تصادر على فكري؛ وهذا يعيدنا إلى قاعدة ذهبية أخرى وضعها الإمام الشافعي تقول "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".. وتلك ولا شك قاعدة تفتقدها الإنسانية في عصرها الحاضر الذي يسوده قانون الغاب..
أزمة العقلية الإسرائيلية
وأن من ليس معي فهو ضدى، كما قالها جورج بوش الابن حين شرع في غزو العراق بذرائع واهية، ثم تبين فيما بعد أنها كذبة تبناها الغرب ليبرر تخريبه للعراق، وهو نفس ما تفعله إسرائيل الآن في محيطها العربي، بدءًا من فصائل المقاومة الفلسطينية وصولًا لجيرانها من الدول العربية..
وإلا بما تفسر جرائم إسرائيل التى لا تعبأ بحقوق الإنسان ولا بحقوق المدنيين وترتكب على مرأى ومسمع من العالم كله حرب إبادة جماعية باعتراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي بدلًا من إيقاف آلة القتل الإسرائيلية الوحشية بحق أطفال ونساء غزة وشيوخها ومدنييها.. فشل حتى في التوافق على قرار إدانة لتلك الجرائم التي تفضح الدعاوى الغربية التى تتشدق بحماية حقوق الإنسان والمدنية والقيم الديمقراطية، لكنهم يمنعون أبسط تلك الحقوق حين يمنعون بقسوة أي تعاطف شعبي غربي مع حقوق الفلسطينيين أو أي تظاهرة مؤيدة لشعب غزة الأعزل.
صدقوني إن الأزمة الحقيقية تكمن في العقلية الإسرائيلية التي تستبيح أرض الغير.. والمشكلة الأكبر فيمن يصطف معها من الغرب وبعض العرب الذين لا يخجلون مما يفعلون.. رغم أن الحق واضح كنور الشمس.. ثقافة الاختلاف والإنصاف لا يعرفها قادة إسرئيل الذين يديرون الآن معركة تصفية عرقية كاملة بحقي أهلنا في غزة..
فمتى يتوافق العرب على أن دفاعهم عن فلسطين إنما هو دفاع عن أنفسهم وأوطانهم؟، فطموح تل أبيب لا يقف عند حد ابتلاع غزة بل إنهم يحلمون بدولة كبرى من النيل للفرات.. فهل أنتم مستعدون؟!