رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

هل يعود اهتمام السينما بالقضية الفلسطينية؟

رغم أن الترفيه هو أحد وظائف الفن بصفة عامة والسينما بصفة خاصة إلا أن هذا لا ينفي وجود وظائف أخرى أكثر أهمية، منها أنها نبض الجماهير تعبر عن مشاكلهم وشواغلهم وتطلعاتهم وأحلامهم وتطرح قضاياهم الحيوية والقومية وتشكل وجدانهم وآرائهم، وقد اضطلعت السينما المصرية منذ بداياتها بهذا الدور بشكل كبير على امتداد تاريخها وفي الفترات الصعبة والمصيرية..

 

خاصةً فترات الحروب والمعارك السياسية الكثيرة التي مرت بها مصر في تاريخها الحديث، منذ حرب1948 ومرورًا بحركة يوليو1952 ف نكسة 1967 فنصر أكتوبر العظيم 1973، ثم معركة السلام واستعادة الأرض والكرامة وصولًا لأحداث يناير 2011 فثورة يونيو 2013.. 

 

ولكن تبقى العلاقة بين السينما والقضية الفلسطينية علاقة خاصة جدًا وقوية ومثيرة منذ بداية النكبة وقرار تقسيم فلسطين فحرب 1948 وما تلاها من حروب بين العرب بزعامة مصر المدافع الأول عن هذه القضية والخاسر الأكبر فيها من تضحيات وشهداء وتراجع خطير في الاقتصاد.. 

 

وقد تم ترجمة هذه العلاقة متبادلة التأثير إلى عدد من الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة التي كان معظمها خير معبر عن حجم النكبة التي أحلت بفلسطين وشعبها الآبي، وخير مناصر وداعم لهذا الشعب في نضاله المشروع لاستعادة وطنه.

فتاة من فلسطين


تفاعل السينمائيون بقوة مع نكبة فلسطين منذ بدايتها وقدموا عددًا من الأفلام دعمًا للشعب المنكوب الذي اغتصبت أرضه، ومن أوائل هذه الأفلام فيلم فتاة من فلسطين تأليف يوسف جوهر وبطولة وإخراج محمود ذو الفقار مع سعاد محمد في نفس عام النكبة 1948 وتدور أحداثه حول طيار مصري يستبسل في الدفاع عن الأرض الفلسطينية وتسقط طائرته بإحدى القرى ليكتشف أنه وسط خلية للفدائيين الفلسطنيين!


في فترة الخمسينيات برزت قضية الأسلحة الفاسدة كمادة خام لعدد من الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية منها.. أرض الأبطال بطولة كوكا وجمال فارس وإخراج نيازي مصطفى عام 1953، وفيه نرى كيف تسببت الأسلحة الفاسدة في فقدان مقاتل مصري يحارب اليهود في  فقدان بصره..

 

ذات الأسلحة أودت بحياة الكثير من الأبطال وتسببت في بتر ذراع ضابط مصري في فيلم الله معنا إنتاج 1955، بطولة عماد حمدي وفاتن حمامة، تأليف إحسان عبد القدوس الذي كان أول من فجر قضية الأسلحة الفاسدة بجريدة روز اليوسف، وإخراج أحمد بدرخان..

 

ومن الأفلام التي تعرضت لنفس القضية ولحرب فلسطين فيلم رد قلبي بطولة شكري سرحان ومريم فخر الدين، تأليف يوسف السباعي وإخراج عز الدين ذو الفقار. ومن الأفلام التي فضحت جرائم الاحتلال فيلم أرض السلام بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف وإخراج كمال الشيخ عام 1957.


أما في عقد الستينيات وقبل نكسة 1967 حيث التطور الكبير في صناعة السينما المصرية شكلًا ومضمونًا، جاء فيلم الناصر صلاح الدين كأحد أهم وأفضل الأفلام التي تناولت قضية الصراع العربي الاسرائيلي بشكل رمزي واستمداد الواقع من التاريخ الذي يعيد نفسه من وقت لآخر.. 

 

قصة يوسف السباعي وإخراج يوسف شاهين عام 1963 وبطولة كوكبة من نجوم السينما، منهم.. أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ونادية لطفي وليلى فوزي ومحمود المليجي والذي كان الأضخم إنتاجيًا وقتها بتكلفة 200 ألف جنيه وأدى إلى إفلاس منتجته آسيا!.


أما بعد هزيمة 1967 التي أحدثت زلزالًا مدويًا في المجتمع المصري وفي كل نواحي الحياة حتى لو لم تعترف بها السلطة وقتها ولم تسمح بتجسيد هذه الهزيمة النكراء! وكان من أفلام هذه الفترة فيلم ثرثرة فوق النيل للمخرج حسين كمال عن قصة نجيب محفوظ وبطولة أحمد رمزي وماجدة الخطيب، ويرصد قصص عدد من المصريين ويومياتهم التي تعكس حياتهم بعد هزيمة 1967.
 

غابت القضية وتراجعت


على عكس الأفلام القليلة التي تناولت حرب 1967 جاءت وفرة الأفلام التي تناولت نصر أكتوبر1973 وذلك على حساب الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي تراجعت بشدة ومن أفلام هذه النوعية.. الرصاصة لا تزال في جيبي لمحمود ياسين ونجوى إبراهيم وإخراج حسام الدين مصطفى، الوفاء العظيم لمحمود ياسين أيضًا ونجلاء فتحي وإخراج حلمي رفلة، العمر لحظة لماجدة وأحمد مظهر وإخراج محمد راضي.


في عام 1991 قدم المخرج عاطف الطيب الفيلم الذي أحدث ضجة في عالم السياسة والفن في مصر والوطن العربي وهو ناجي العلي عن حياة رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير، بطولة العظيم نور الشريف، وتم اعتبار الفيلم محاولة لاستهداف النظام المصري كون ناجي العلي أكثر من الهجوم على مصر لتراجع دورها التاريخي في مناصرة القضية الفلسطينية بعد اتفاقية كامب ديفيد والسلام مع اسرائيل من وجهة نظره..

 

كمًا أوخذ على الفيلم عدم تركيزه على نصر أكتوبر في مقابل تسليط الضوء على هزيمة 1967، كذلك أظهر الشخصية المصرية الوحيدة في الفيلم بأنها مغيبة وفي حالة سكر دائم مشيرًا لضعف  مصر وهامشية دورها في القضية الفلسطينية!


وازداد التراجع في الاهتمام بالتي كانت قضية العرب الأولى في السينما المصرية في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينين والاسرائليين عام 1993 فتم التعامل مع إسرائيل على أنها أمر واقع! ومن ثم ظهرت قضية فلسطين كضيف خفيف سطحي سرعان ما يختفي في بعض الأفلام مثل.. صعيدي في الجامعة الأمريكية، همام في أمستردام، السفارة في العمارة وهي أفلام كوميدية تجارية في المقام الأول ليست القضية الفلسطينية محور اهتمامها.

 
ومن ثم فإن تواجد القضية الفلسطينية في السينما المصرية منذ عقد التسعينيات يبدو هامشيًا ورمزيًا، اللهم إلا في فيلم أو فيلمين.. باب الشمس والذي قد يعد فيلمًا عربيًا وليس مصريًا خالصًا، أخرجه المصري يسري نصر الله وكتبه اللبناني إلياس خوري وبطولة السوري باسل خياط والتونسية هيام عباس والمصري باسم سمرة وآخرين ويحكي الفيلم المأساة الفلسطينية على امتداد 50عامًا وتم إنتاجه عام 2004.


وأخيرًا هل من الممكن أن تعيد عملية طوفان الأقصى الباسلة الحالية وبطولات رجالها وما تبعها من جرائم وحشية بعيدة عن كل الأعراف ارتكبها ومازال الكيان الصهيوني الغاصب ضد الشعب الأعزل في غزة، هل تعيد هذه الأحداث القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام من جديد على المستوى السياسي والشعبي العربي وبالتالي على المستوى السينمائي ونشاهد من جديد أفلام جادة وحقيقية تناصر وتدعم هذه القضية قريبًا أم عندما ستنتهي الحرب ستعود القضية إلى ما كانت عليه في السنوات الثلاثين الأخيرة من تراجع وإهمال؟.

الجريدة الرسمية