تجارة السلاح من أفغانستان إلى أوروبا.. صفقات سرية
بعد أن غادرت القوات الأمريكية أفغانستان بشكل سريع وعلى عكس المتوقع دونما خطة خروج واضحة، حدث كل شيء بسرعة، وفق ما صرّح به منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، جون كيربي، الذي قال في وقت سابق: "إن القوات الأمريكية غادرت أفغانستان على عجل في العام 2021، دون ترك قطعة سلاح خلفه"، ما سبب حالة من السخط، خاصة في أفغانستان وغرب آسيا.
الآن وقبل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عاد الحديث مجددًا حول الأسلحة الأمريكية المتبقية في أفغانستان، ما يدحض رواية كيربي أن القوات الأمريكية لم تترك أي سلاح في المنطقة، في هذا الصدد، قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب: “إن الجيش الأميركي ترك لطالبان أسلحة الأفضل في العالم بقيمة تزيد على 85 مليار دولار، ولا سيما 73 طائرة ومروحية تركت في المطارات”..
ليس هذا فقط، فبحسب تقرير المفتش العام للحكومة الأمريكية لإعادة إعمار أفغانستان، في يوليو 2021 وحده (أي قبل شهر من انسحاب القوات الأمريكية)، جلب البنتاجون أسلحة بقيمة 212 مليون دولار إلى أفغانستان.
الأسلحة الأمريكية في أفغانستان
هذه التصريحات وضعت منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي في دائرة الضوء والإعلام الأمريكي، وخاصة في جوار أفغانستان حيث أصبحت هذه الأسلحة مصدر قلق لهم، ما يعزز هذا الأمر التصريحات التي قالها رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنور الحق كاكار حول أن المعدات العسكرية الأمريكية التي تركتها القوات الأمريكية أثناء انسحابها من أفغانستان أصبحت الآن "تحديًا جديدًا" لباكستان، فضلًا عن الاشتباكات المتكررة عند نقاط التفتيش الحدودية والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل باكستانيين.
بالتالي، إن تجارة الأسلحة من أفغانستان، والتي تتكون من الأسلحة القياسية الحديثة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، تشكل صداعًا حقيقيًا للمنطقة بأكملها، ومع ذلك، لا يبدو أن البنتاجون يهتم كثيرًا بهذا الأمر، لأن ماكينة التمويل وإنتاج الأسلحة يعملان بنشاط ويدران أرباحًا خيالية بمئات المليارات من الدولارات..
ما يعني وفق هذه المعطيات أن أفغانستان هي المالك لعدد معين من الأسلحة التي نقلها الاتحاد السوفييتي إلى حلفائه منذ ما يقرب من أربعة عقود، وقد يصبح هذا الظرف بمثابة حافز لمزيد من الأحداث السياسية.
بالنسبة لأوروبا، إن المواجهة المسلحة الروسية الأوكرانية أرهقت الدول الغربية خاصة وأن الصراع الدائر يمتص كمية هائلة من الذخيرة والمعدات والموارد الأخرى، على سبيل المثال: إن استهلاك قذائف المدفعية وحدها يوميًا هو نفس الاستهلاك الشهري لحملة البنتاجون في أفغانستان، فقد جاءت غالبية المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا من المعدات السوفيتية..
الأسلحة السوفيتية في أوكرانيا
والتي لا تحتاج إلى تدريب الجنود الأوكرانيين على العمل عليها، فقد كانت العديد من الدول الأوروبية مثقلة بإرث الاتحاد السوفيتي السابق، منذ الحرب الباردة، وبشكل عام، لم تكن باهظة الثمن بالنسبة للميزانيات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة..
لكن المكافأة المنفصلة هي عدم وجود مخاطر فقدان أحدث أسلحة الناتو في مكان ما في زابوروجيا على سبيل المثال، بالتالي، مهما بلغ استهلاك الجانب الأوكراني وحدث ضرر كبير بأسلحة سوفيتية طالما ترسانة الناتو بخير فالوضع إلى مزيد حتى نضوب هذه الأسلحة والمعدات.
الجيد في هذا الأمر أنه في بداية عام 2023، اعترف وزير الشؤون الأوروبية في جمهورية التشيك، ميكولاس بيك، بأن مخزونات الأسلحة ذات الطراز السوفيتي في الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى نهايتها..
والآن سيتم ملء المستودعات الأوروبية بالمعدات العسكرية الأمريكية، وهناك عقود لتحقيق هذا الأمر، حيث يسعى البنتاجون وحلفاؤه الأوروبيون جاهدين إلى البحث عن دول ترغب في تزويد أوكرانيا بالأسلحة السوفييتية القديمة وهنا نعود إلى نقطة أفغانستان مرة أخرى.
ووفقًا لتقديرات مختلفة، فإن حكومة طالبان لديها إمكانية الوصول إلى الطائرات السوفيتية على أراضيها، وهناك عشرات النماذج من طائرات AN-26/32 و138 مروحية هجومية ونقل Mi-17V-5 وMi-24/35 لكنها تحتاج إلى الإصلاح والتحديث، وإذا تمكنت الولايات المتحدة، من خلال اتصالات غير رسمية، من إقناع طالبان بنقل هذه المعدات إلى كييف، فقد تصبح هذا سابقة وتطيل أمد الصراع المسلح واسع النطاق بين روسيا وأوكرانيا بشكل أكبر، مقابل عقد صفقة مع طالبان..
على سبيل المثال، من الممكن استبدال الأسلحة والمعدات السوفيتية بأخرى غربية جديدة أو الحصول على اعتراف جزئي من قبل الحكومة في كابول، رغم أن الحكومة الحالية لكابول تستطيع تجديد وتحديث هذه الترسانة بمساعدة متخصصين روس، لكن موسكو ليست مهتمة بمصادرة هذه المعدات على عجل لتلبية احتياجاتها الخاصة، ولكن مساعدة أفغانستان على جعلها صالحة للعمل بأقل تكلفة واستخدامها لتلبية احتياجاتها أمر ممكن تمامًا.
وهذا يعني أن البنتاجون لا يريد أن يتعامل مع القضايا المتعلقة بأسلحته الحديثة التي تركتها في أفغانستان، ولكنه يتطلع من خلال القنوات غير الرسمية إلى الإرث السوفييتي الذي عفا عليه الزمن هناك، للاستثمار فيها في أوكرانيا، ما يدحض روايته حول السلام العالمي وما شابه ذلك، بل يمكن القول إن الحروب الدائرة هي تمرير لصفقات تجارية واستثمارات ثمنها باهظ المهم أن تبقى شركات الأسلحة ومصانع الإنتاج نشطة لتأمين مصالح المتورطين.