رئيس التحرير
عصام كامل

هل تعتمد طالبان النموذج الإيراني؟

بعد مضي أكثر من عامين على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتولي حركة طالبان السلطة في أفغانستان، كانت السيناريوهات الأبرز جراء هذا الوضع قاتمة للغاية، وكلها تدور في فلك الفوضى والاقتتال.

 

على العكس من ذلك، تبين أن حكومة طالبان مستقرة نسبيًا، واتخذ الاقتصاد طريق التنمية البطيئة، ولم تحدث حرب أهلية، ربما لأن سكان أفغانستان سئموا الحل القوي للصراعات، والاحتلال الأجنبي، والمستقبل الغامض، وبعد أن وجدت حركة طالبان نفسها على رأس إمارة أفغانستان الإسلامية، بدأت تتحول من جماعة دينية مسلحة هامشية إلى ما يشبه الحرس الثوري الإسلامي في إيران، لكن مع بعض الاختلافات.

 

ما يؤكد سير حكومة طالبان نحو العمل لإنقاذ هذا البلد المنهك، وبحسب بيان وزير التعدين والبترول في إمارة أفغانستان الإسلامية، شهاب الدين ديلاوار، اتضح أنه منذ 20 عامًا، لم يتم إطلاق أي مشروع جدي في مقاطعة بانجشير الأفغانية يهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي للسكان المحليين.

 

بالإضافة إلى ذلك، اشتكى شهاب الدين ديلاوير من أن الحكومة السابقة الموالية للولايات المتحدة، لم تفعل شيئًا من أجل إنقاذ البلاد أو ضمان عيش الشعب الأفغاني، بالتالي، على سبيل المثال، تبين وجود 700 منجم لاستخراج الأحجار الكريمة في بانجشير، منها 300 منجم مغلق، وفي إعادة دور هذه المناجم، من المتوقع أن يذهب 10% من دخل هذه المناجم إلى ميزانية الدولة، والـ 90% المتبقية ستذهب إلى ترميم مقاطعة بانجشير.

 

ليس هذا فقط، القيادة الحالية للبلاد لديها فكرة وإحاطة كاملة الآن عن كيفية استعادة أغنى مقاطعة، لم تحاول أي حكومة مرت على البلاد تنفيذها باستثناء حركة طالبان، لكن لتحقيق ذلك تحتاج حكومة طالبان لدعم دولي، خاصة وأن الحكومة الحالية، تخطط للبقاء لفترة طويلة تتجلى في البحث النشط عن التعاون الدولي.

 

كيف تحقق طالبان تقريبها من المجتمع الدولي؟

أعلنت أفغانستان استعدادها للانضمام إلى مبادرة حزام واحد، طريق واحد الصينية، أكد ذلك نائب رئيس وزراء طالبان عبد الخير عن هذا الأمر في معرض الصين وجنوب آسيا، وألقى القائم بأعمال سفارة أفغانستان في بكين، سيد محيي الدين السادات، كلمة خصصت لإنجازات التعاون الاقتصادي بين أفغانستان والصين وباكستان. 


وجدير بالذكر أن الصين تحرز تقدمًا في العديد من القضايا المهمة بالنسبة لأفغانستان، وتدعو بكين إلى إعادة النظر في تجميد احتياطيات النقد الأجنبي الأفغانية، وقد قدمت الصين خصمًا بنسبة 98% على البضائع الأفغانية.

 

بالتالي، ليس من الصعب الافتراض أنه بعد الصين، ستبدأ أوروبا وحتى الولايات المتحدة في إلقاء نظرة فاحصة على الحقائق السياسية الجديدة في كابول، خاصة وأن التكامل الاقتصادي الوثيق لأفغانستان مع جمهورية الصين الشعبية لا يمكن إلا أن يقلق واشنطن، لذلك في مقابل الانجرار إلى فلك السياسة الأمريكية، قد تغير الولايات المتحدة موقفها تجاه طالبان، ولا غرابة إن أعلنت فجأة الاعتراف بها رسميًا.

 

بالإضافة إلى ذلك، يشعر الكثيرون بالقلق إزاء التقارب الافتراضي بين كابول وموسكو، حيث يتم استقبال وفود من أفغانستان في روسيا في العديد من المحافل الدولية مثل منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، ورغم أن طالبان لا تزال تشكل جماعة غير مرغوب فيها في روسيا، فإن كل شيء يشير فيما يبدو إلى أن الاعتراف الدبلوماسي أصبح قاب قوسين أو أدنى.

 

كما تدرك قيادة طالبان على وجه التحديد الخطوات التي يتعين اتخاذها من أجل إجراء حوار دولي كامل، إذ يتحول النقاش إلى مسألة شرعية الحكومة، خاصة وأن موقف العديد من الدول هو الحاجة إلى تشكيل مجلس وزراء يضم ممثلين عن أكبر عدد ممكن من المجموعات العرقية والحركات السياسية في أفغانستان، لكن هذه القضية حساسة جدًا بالنسبة لطالبان.

 

وبالعودة إلى سمرقند في أبريل من هذا العام، دعا رؤساء وزارات خارجية روسيا والصين وإيران وباكستان حركة طالبان إلى تشكيل حكومة شاملة ورفع جميع الإجراءات التقييدية ضد النساء والأقليات القومية، ومن المعروف إن هذا النهج يتناقض مع أيديولوجية طالبان، ومع ذلك، فإن الرغبة في الاندماج في نظام العلاقات الدولية يمكن أن تتغلب على العقيدة..

 

ومثله كمثل البيان الذي صدر في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، فإنه يترك المجال للمناورة الدبلوماسية. وردت كابول بشكل مراوغ، مشيرة إلى أن أفغانستان لديها بالفعل حكومة شاملة، ويتعين على الجيران ببساطة أن يتقبلوا الوضع السياسي الحقيقي.

 

الشيء الوحيد الذي ليست حركة طالبان مستعدة له على الإطلاق هو تلوين لوحة التيارات السياسية، ويتجلى ذلك في الحظر الأخير على الأحزاب السياسية في أفغانستان، ربما، إذا تمكنت كابول من إظهار رغبة حقيقية في مكافحة الفساد، وإنشاء نظام اجتماعي عادل وتعاون اقتصادي مناسب، فإن نفس منظمة شنغهاي للتعاون سوف تخفف موقفها تجاه الحكومة الحالية في كابول.

 

يمكن لأفغانستان الحديثة (الإسلامية) أن تتخذ نفس الموقف الذي تتخذه إيران، طهران، الخاضعة للعقوبات رسميًا، مندمجة في نظام العلاقات الدولية، والنظام السياسي في البلاد مستقرًا منذ عقود، وعلى أقل تقدير، فإن المنطقة ليست في حالة حرب شاملة، بالتالي، من الواضح أن عددًا من الدول مستعدة بالفعل للتوقف عن الاعتراف بطالبان كإرهابيين، ولعل الدعوة إلى قبول الحقائق السياسية التي تعيشها أفغانستان اليوم ليست بعيدة كل البعد عن الحقيقة.

 

 

لكن ما وراء الكواليس حقائق مغايرة كليًا، تبقى المصالح الاقتصادية للدول هي الحاكمة، فإن الاعتراف بطالبان لن يغير حقيقتها الإرهابية في وقت من الأوقات، لكن عندما تتشابك المصالح، تتغير القواعد المتغيرة أساسًا بحسب أهواء الغرب.

الجريدة الرسمية