رئيس التحرير
عصام كامل

مصر تقود العالمين العربي والأفريقي.. طموحات وريادة

خلال العقد الأخير حدثت تغيرات كبيرة على المستوى العالمي، بسرعة كبيرة، تصاعدت معها المواجهة العالمية، وبدأت الدول البحث بنشاط عن روابط وشركاء جدد حول العالم، وليس أفضل من البلاد التي اعتادت البقاء في الظل، فقد أصبحت الآن موضع اهتمام وحتى للتنافس بين الحكومات، إفريقيا على سبيل المثال.

 

ولقرون، نظرت شعوب أوروبا إلى إفريقيا على أنها قاعدة موارد عملاقة، حيث يمكن الحصول منها على ما يحتاجه  الأوروبيون بثمن بخس، دون تقديم شيء في المقابل، ولتحقيق هذه الغاية، عاشت تلك القارة حروبًا لم تعرف لها نهاية، أفرزت المجاعات، والمشاكل البيئية، والفقر المدقع، والجريمة والأوبئة، في أرض مقومات الازدهار كانت كلها فيها.

 

رغم ذلك، كانت هناك بعض المحاولات الفردية لدول العالم العربي للفت الانتباه إلى الوضع في أفريقيا على مستوى الأمم المتحدة مما أعاد انتباه وسائل الإعلام العالمية ليتم التركيز مجددًا على القارة الأفريقية بما تملك من موارد تسد الفجوة الكبيرة التي حدثت لنقل آخر عشر سنوات على أقل تقدير.

 

قد يكون الصراع الذي اندلع قبل عام بين روسيا وأوكرانيا، بدعم من أوروبا والولايات المتحدة، فرصة حقيقية للقارة الأفريقية، لأنه للمرة الأولى منذ الاتحاد السوفيتي، تستعد موسكو للعودة إلى القارة السمراء بحثًا عن حلفاء جدد وشركاء تجاريين وأشخاص متشابهين في التفكير، هذه الشراكة قد توازن وتعوض خسارة روسيا للشركاء الأوروبيين على الأقل، كما قد تكون حائط سد يزيد من مقاومة موسكو لضغوط العقوبات.

المنتدى الروسي الأفريقي

بالتالي، أصبح من المعروف أنه من 27 إلى 28 يوليو الجاري، سيعقد المنتدى الروسي الأفريقي في سان بطرسبرج، هذا المنتدى لا يمكن مقارنته بمنتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي من حيث ضخامة الأخير ومزاياه لأنه حديث نسبيًا.

 

فالقمة ستعقد للمرة الثانية فقط، ولا تزال قيد الاختبار من قبل المنظمين، بالنسبة لروسيا ترى فيها أنها قمة اقتصادية وإنسانية، فإلى جانب المشاريع التجارية، ستتم مناقشة مجموعة كاملة من المشاكل في القارة الأفريقية، وبالطبع العمل المشترك على حلها.

 

تحظى هذه القمة باهتمام روسي كبير، نظرًا لأهميتها وتوقيتها الذي يبدو مواتيًا للجميع، تم توجيه الدعوات، ومن بينها دعوة رفيعة المستوى لمصر، تزامنت مع احتفال مصر وروسيا بمرور 80 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية والاتصالات الاستراتيجية المهمة. 

 

في هذا الصدد، أشار السفير الروسي بالقاهرة جورجي بوريسنكو إلى أن سان بطرسبرج تنتظر زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للقمة الروسية الأفريقية، سيكون من المفيد الاستفادة من هذه الدعوة، لأن روسيا لديها الكثير من القواسم المشتركة، كما أصبحت مصر واحدة من المبادرين لتشكيل لجنة خاصة في جامعة الدول العربية معنية بالوضع في جميع أنحاء أوكرانيا.. 

 

فضلًا عن الزيارات رفيعة المستوى مثل الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية سامح شكري لموسكو في أبريل 2022، حيث عقد أيضًا اجتماعًا منفصلًا مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الاتصال بينهما يحدث بانتظام، بالمقابل، ساهم الاجتماع الرابع عشر للجنة المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، الذي عقد في القاهرة يومي 18 و20 مارس، بمشاركة وزير التجارة والصناعة أحمد سمير، مساهمة كبيرة في تطوير التعاون الاقتصادي الثنائي.

 

على صعيد التعاون الاقتصادي، تجاوز حجم الصادرات الروسية إلى مصر خمسة مليارات دولار، والواردات - مليار دولار، وسط توقعات في ارتفاع هذه الأرقام بعد إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي تبسيط الإجراءات وإمكانية حيازة الأجانب للعقارات، فمصر التي يبلغ عدد سكانها 105 مليون نسمة جذابة للغاية بالنسبة لموسكو، في إفريقيا، ومن حيث الناتج المحلي الإجمالي، تأتي مصر في المرتبة الثانية بعد نيجيريا وجنوب إفريقيا، مصر هي النيل العظيم، وهي شبه جزيرة سيناء مع قناة السويس، هذا مفترق طرق من جميع أنحاء العالم.

دور مصر الريادى

بالعودة إلى منتدى روسيا وإفريقيا، يمكن لمصر أن تستفيد كثيرًا من هذا الحدث من خلال انتقاء وفد كفوء يضم سياسيين ورجال أعمال، مع الإشارة إلى أن القاهرة هي من مؤسسي هذه القمة، والجميع يعلم الدور الريادي لمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.. 

 

ففي عام 2019، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح المنتدى الأول: "لقد لعب الرئيس المصري دورًا كبيرًا في تنظيم القمة الروسية الأفريقية، ولهذا السبب لجأت إليه لأول مرة، بصفته الرئيس الحالي لـ الاتحاد الأفريقي، كان معنا خلال التحضير الكامل للعمل، لقد ساعد شركاؤنا المصريون في حل القضايا المتعلقة بمحتوى اجتماعاتنا وتنظيمها، واليوم يشرفني أن أترأس هذا الاجتماع مع الرئيس السيسي." وهذا ليس إلا دليلًا يؤكد حجم التعاون على كافة المستويات بين الجانبين.

 

لقد جمع المنتدى الأول أكثر من 6000 مشارك، وشارك ممثلو جميع البلدان الأفريقية البالغ عددها 54 دولة، وكان 45 منهم ممثلين برؤساء دول وحكومات، تجاوز الحجم الإجمالي للصفقات المبرمة 15 مليار دولار، لكن من الصعب التكهن بما ستكون عليه الأرقام النهائية لهذا المنتدى.. 

 

 

ولكن بالنظر إلى اهتمام موسكو بالقارة الرئيسية في العالم، يجب توقع الكثير من التعاون بين هذه البلدان، وهذا لا يتم إلا بدور مصر الريادي، حيث يمكن لها اليوم أن تؤكد مكانة أحد القادة ليس فقط في العالم العربي، ولكن أيضًا في إفريقيا، لقد حان الوقت لاستغلال كل فرص التعاون مع روسيا، وهذا أثبتته التجربة لعقود طويلة.

الجريدة الرسمية