هل تعلمنا الدرس؟!
إذا أردت أن تهدم حضارة فاحتقر مُعلِّما، وأذل طبيبا، وهمّش عالما، وإغفل دور المثقفين وقادة الرأي ضمير المجتمع.. وأعطي قيمة للتافهين.. هكذا يضع المفكر الجزائرى مالك بن نبيّ أيدينا على حقيقة مهمة يتناساها أو يتغافل عنها كثير من الناس في زماننا، فإهمال العلم يفضى إلى شيوع الجهل، وتفشي المرض، والفقر.
هذا ما تعلمناه من ديننا الذي كانت أولى آياته "اقرأ".. وكان فداء أسرى بدر أن يعلم الواحد منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.. طلب العلم معناه التطوير المستمر والإلمام بكل جديد والإمساك بزمام المنافسة وتحقيق الفوز على المنافسين في كل مجال.
تجارب النجاح في التاريخ تدلنا بوضوح على أن العلم والتعليم هما كلمة السر في التقدم والإمساك بزمام الأمور وامتلاك مقومات القوة؛ انظروا مثلًا كيف سادت الحضارة العربية الدنيا كلها قرونا عدة، وبلغت أوج ازدهارها في الخلافة العباسية، وماذا صنع الخليفة العباسي هارون الرشيد مع تراث الحضارات السابقة وكيف كافأ المترجمين وأجزل لهم العطاء بمنح كل من يترجم كتابًا في أي فرع من فروع المعرفة وزنه ذهبًا.
تجارب النجاح
وفي أيامنا هذه تجارب نجاح في دول كانت يومًا ما أقل منا أو ربما في نفس ظروفنا لكنها تحولت لنمور اقتصادية وقوة اقتصادية هائلة في دول مثل كوريا واليابان والهند والبرازيل وماليزيا وأندونيسيا وغيرها من الدول الناجحة التي استهلت نهضتها بتبنى منظومة ناجحة للتعليم والبحث العلمي وتحفيز الإنتاج والإبداع حتى حققت تقدمًا هائلًا جعلها في مصاف الكبار..
وهناك في المقابل شركات عالمية عملاقة كانت ملء السمع والبصر ثم تهاوت وصارت أثرًا بعد عين لما أهملت البحث العلمي المتواصل الذي هو القوة الفاصلة التي تحقق المعجزات وتضمن التفوق والحسم.
من كان يتصور أن شركة بحجم نوكيا NOKIA المشهورة تلقى مصيرًا مظلمًا وتنتهى نهاية مأساوية لتشتريها شركة مايكروسوفت MICROSOFT العملاقة، وقد رأينا كيف نعاها مديرها التنفيذى ليعلن بكل أسى وحزن في مؤتمر صحفي نهايتها قائلًا: "نحن لم نفعل أي شيء خاطئ، لكن بطريقة ما، خسرنا".
وبقولته هذه، بكى كل فريق الإدارة بمن فيهم هو نفسه. نوكيا كانت شركة محترمة. إنها لم تفعل شيئا خطأ في أعمالها ولكن العالم تغير بسرعة كبيرة. غاب عنهم التعلّم، وغاب عنهم التغيير، وبالتالي فإنها فقدت فرصة ثمنية كانت في متناول اليد لتصبح شركة عملاقة. ليس فقط فاتتهم فرصة لكسب المال الوفير، ولكنهم فقدوا أيضًا فرصتهم في البقاء على قيد الحياة!
أما الدرس المستفاد من تلك التجربة المؤلمة فهو إذا كنت لا تتغير، فسيتم استبعادك من المنافسة، وإذا كنت لا تريد أن تتعلّم أشياء جديدة ولم تستطع أفكارك وعقليتك اللحاق بالوقت سوف تنتهي بمرور الوقت!
يظل الإنسان ناجحا مادام يتعلم، فإذا أعتقد أنه قد علم فقد حكم على نفسه بالفشل.. وهكذا قال قال ابن المبارك -رحمه الله-: "لا يزال المرء عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل".