الفن وسنينه
لائحة الأجور المسربة كشفت عورات صناعة الدراما المصرية!
طول عمر الفنان من مختلف فروع العملية الفنية، سواء كان ممثلًا أو مؤلفًا أو مخرجًا أو مدير تصوير أو مونتيرًا أو موسيقيًا أو مطربًا أو موزعًا إلى أخره، بمثابة السلعة التي يتحدد سعرها وفقًا لاحتياجات السوق وتنطبق عليه قانون العرض والطلب، فكلما زاد الطلب عليه نتيجة نجاحاته المتتالية ارتفع سعره والعكس صحيح..
وهكذا صارت الأمور طوال العقود الماضية منذ نشأة الفن في مصر دون مشاكل كثيرة أو تجاوزات صارخة، اللهم إلا في السنوات العشر الأخيرة التي شهدت فيها صناعة الفن بمصر ثورة رهيبة في الأجور في كل عناصر العملية الفنية بشكل صارخ وغير مسبوق أثرت سلبًا على مستوى ما يقدم في كافة مجالات الفن وخاصةً مجال الدراما التليفزيونية التي أقترب أجر قلة محددة من النجوم فيها من 50 مليون جنيه عن العمل الواحد وتجاوزت ميزانية بعض المسلسلات حاجز ال 100 مليون جنيه !
ورغم محاولات بعض الشركات لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، إلا أن الأمر لم يتغير بل ازداد تفاقمًا مع إصرار وعناد النجوم على التمسك بأجورهم الخيالية مهما كانت الظروف!
اتحاد المنتجين
استبشر الجميع خيرًا عندما تم الإعلان الشهر الماضي عن تأسيس ما يسمى باتحاد منتجي مصر بدعوة من الشركة المتحدة ويضم 18 شركة من كبريات الشركات العاملة في مجال الإنتاج الفني في مصر منها.. العدل جروب، Media Hub،Watch it، فنون مصر، الباتروس، خاصةً عندما ذكر المؤسسون أنه جاء للتنسيق بين هذه الشركات من أجل الارتقاء بالدراما المصرية وضبط السوق وانفلات الأجور وما يشكله من خطر داهم على هذه الصناعة..
ولكن فجأةً ودون مقدمات تم تسريب عبر تطبيق Whats App الشهير ما عرف ب لائحة الأجور مكتوبة باللغة الانجليزية مجهولة المصدر وفيها تصنيفات وتقسيمات لأجور النجوم والفنانين في موسم رمضان..
وفقًا لأربع فئات +A وتضم محمد رمضان،كريم عبد العزيز، أحمد عز، أحمد مكي، أحمد حلمي، تامر حسني وأحمد السقا ولا يتعد أجر هذه الفئة ال 25 مليون جنيه في 30 حلقة تقل إلى 65٪ من هذا الأجر لو العمل 15حلقة ثم إلى 50٪ لو 10 حلقات.
A وتشمل:
دنيا سمير غانم، منى زكي، عمروسعد، ياسمين عبد العزيز، منة شلبي، هند صبري، نيللي كريم، يسرا، مصطفى شعبان، خالد النبوي. وسقف هذه الفئة 15 مليون جنيه؟
B وبها:
آسر ياسين، عمرو يوسف، محمد فراج، محمد ممدوح، شيكو، هشام ماجد، أحمد فهمي، أحمد آمين، أكرم حسني، وأقصى أجر لهذه الفئة 10 مليون جنيه.
أما الفئة C وهي غير محددة الأسماء ولا يتجاوز أجر هذه الفئة 5 ملايين جنيه.
قسمت اللائحة أيضًا أجور المخرجين إلى نفس الفئات الأربع السابقة وكذلك الحال بالنسبة للمؤلفين.
أوردت اللائحة كذلك أجور باقي عناصر العملية الفنية من التصوير والإضاءة والصوت ومنفذي الإنتاج ومساعدي الفنانين ومساعدي الإخراج.
وقد تجاهلت هذه اللائحة الغريبة والعجيبة في تصنيفاتها أسماء نجوم وفنانين كثيرين موجودين على الساحة بقوة أمثال روجينا وحنان مطاوع وحسن الرداد وشريف منير وليلى علوي وإلهام شاهين وهالة صدقي وكريم فهمي وأحمد السعدني وخالد الصاوي وطارق لطفي وآمير كرارة وياسر جلال وإياد نصار وماجد الكدواني ومحمد هنيدي وياسمين صبري ومحمد إمام وأمينة خليل وغادة عبد الرازق وغيرهم كثير، وهو نفس الحال بدرجة أقل مع المخرجين والمؤلفين أيضًا.
جدل وغضب
وقد أثارت ومازالت هذه اللائحة المدسوسة حالة من الجدل الشديد والغضب والصدمة على كافة المستويات الفنية خاصة أنها لم تذكر أي معايير أو مقاييس بنت عليها تصنيفاتها وحددت بها أجورها، ومن ثم فهي تعكس أهواء وميول شخصية بحتة خبيثة ومغرضة، ليس لها علاقة بالعملية الفنية والتي يحكمها في المقام الأول قانون العرض والطلب والعرف أكثر من القوانين المكتوبة..
وهذا ما جعل عدد كبير من صناع الدراما من فنانين ومخرجين ومؤلفين وفنيين، ينتفضون بقوة رفضًا لمثل هذه اللوائح الجائرة الغريبة التي هدفها كما قالوا ضرب صناعة الدراما المصرية في مقتل وإحداث فتنة تقضي على اليابس والأخضر في هذه الصناعة التي لا تعيش منذ سنوات أفضل أوقاتها..
وفي محاولة البحث عن مصدر هذه اللائحة الخطيرة، تنصل اتحاد منتجي مصر الوليد منها ورفضها رفضًا تامًا وأعرب عن انزعاجه منها على لسان المنتج محمد سعدي نائب رئيس الشركة المتحدة والذي نفى بشدة علاقة الشركة بها، مؤكدًا أنها تهدف إلى إحداث بلبلة في صناعة الدراما، وكذلك المنتج جمال العدل الذي قال إن هذه اللائحة مضروبة ومفبركة منوهًا إلى أن عملية الأجور لها أسس وقواعد تحكمها ولا تخضع للأهواء الشخصية ومن أجل هذا تم تأسيس اتحاد المنتجين.
وردًا على هذه اللائحة أيضًا أصدرت نقابة المهن السينمائية وبعض الشعب التابعة لها مثل شعبة السيناريو، وجمعية مؤلفي الدراما العربية بيانات اعتبرت اللائحة المسربة كأنها لم تكن وأعلنت عن اعتزامها إصدار حد أدنى للأجور، وفقًا لما تقره كل شعبة من الشعب الفنية مثل شعبة السيناريو وغيرها..
كما أدان رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون الأسبق أسامة الشيخ وشيخ المخرجين محمد فاضل هذه اللائحة التي روج لها على حد تعبيرهما مجموعة مجهولة هدفها الوصاية على الفن وتدمير صناعة الدراما!
وأخيرًا جاءت نتائج الاجتماع الذي دعت إليه الشركة المتحدة بحضور ممثلين عن نقابتي المهن السينمائية والتمثيلية واتحاد منتجي مصر أول أمس مبشرة وقوية، حيث شدد المجتمعون على عدم اعتدادهم بأي لوائح لم تصدر من جهة رسمية هدفها إثارة الفتنة بين الأسرة الفنية في مصر..
وأكدوا على ضرورة وضع ضوابط لآليات حاكمة للعملية الإنتاجية في ظل التحديات الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع، وعلى استمرار اللقاءات التشاورية العاجلة بين نقيبي المهن التمثيلية والسينمائية وممثلي الشعب المختلفة للتنسيق فيما بينهم، كما أصدرت الشركة المتحدة بيانًا أشارت فيه إلى دعمها الكامل لما سوف يتم الاتفاق عليه بين اتحاد المنتجين ونقابتي المهن السينمائية والتمثيلية.
أخيرًا وأيًا كان من سرب هذه اللائحة وهدفه منها، فإنه مصداقًا لقول الله تعالى في سورة البقرة “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ'” فإن هذه اللائحة المزعومة نجحت فيما فشل فيه الجميع وهي تحريك المياه الراكدة في صناعة الدراما المصرية، وكشفت عن عوراتها خاصةً فيما يتعلق بمسألة الأجور التي شهدت انفلاتًا خطيرًا في السنوات الأخيرة ينذر بتدمير هذه الصناعة، ولعل الأيام والشهور المقبلة تحمل لنا قرارات وخطوات إيجابية تعيد إلى هذه الصناعة المهمة قوتها ومجدها السابق.