حزب البطاطا يؤيد
على بعد ثلاثين عاما بالتمام والكمال كنت على خلاف مهني وحزبى مع حزب الأحرار وصحيفته، وكان الفراغ شاغلى أكثر من أي عمل آخر، دخلت دوامة الفراغ المميت، وكنت نفسيا مؤهلا لها تماما وفي ساعات الفراغ تلح عليك أفكار ضبابية لا معنى لها ولا وزن.
جلست في حديقة نقابة الصحفيين ذات يوم، وبينما كنت أتناول كوبا من الشاي سعره خمسة وعشرون قرشا، طرأت لي فكرة إصدار بيان ولماذا لا أصدر بيانا، والفراغ هو شغلى الشاغل، فاليد البطالة نجسة، وقررت فجأة أن أكون زعيما لجبهة تحرير الأحرار.. أي والله مرة واحدة زعيم ومهمته إنقاذ الأحرار.
كتبت بيانا ساخنا من الجبهة التي أتزعمها وحدى، وقلت في البيان إن الجبهة قررت العمل وفق إجراءات سلمية لاعنف فيها، هدفها إنقاذ الأحرار جريدة وحزبا مما هي فيه، وعددت طرقا للعمل على كافة المستويات، وختمت بيانى بأن الجبهة قررت انعقادها الدائم حتى إنقاذ الأحرار.
أصدرت البيان وكانت لى طريقتى الخاصة في نشره بين أروقة النقابة، عبر زملاء وأصدقاء ومن ثم وصوله إلى كافة المؤسسات الصحفية، وبعد نهاية اليوم عدت إلى منزلى مساء، ولم تمض سوى سويعات قليلة حتى دق جرس الهاتف المنزلى.
كان المتصل ضابطا كبيرا من أمن الدولة، فاجأنى بأن قال: لا تنكر أنك واحد من جبهة تحرير الأحرار، ومشكلتنا فيما وصلنا من معلومات وأنكم تخططون لاقتحام مقر الحزب والجريدة.. أسقط في يدي وجمعت أفكاري سريعا، وبدأت في ترتيب ما أقول.
قلت للرجل: أعترف لك أن لدينا عناصر في الجبهة كانت ترى أن الاقتحام وسيلة، ولكن لا يجب اللجوء إليها في الوقت الحالي، لأن فريقا آخر يرى العمل وفق وسائل سلمية لا عنف فيها، وقد نجح هذا الفريق في الحصول على أعلى نسبة تصويت فكان الأمر لها.
مرت الأيام وضباط مباحث أمن الدولة يتابعون مجريات الأمور، مع كل بيان يصدر عن الجبهة التي كنت أنا عضوها الوحيد وزعيمها في نفس الوقت... الضباط يسألونني وأنا لا أبخل عليهم بالمعلومات!!.. وبعد كل اتصال أصدر بيانا جديدا.
أتذكر أن الصديق الكاتب سليم عزوز كان الأقرب إليّ وكنا عشرة.. بدأ هو الآخر يسألنى عن الجبهة التي تسبب قلقا متزايدا يوما بعد يوم، ولم أستطع أن أخفي عليه الأمر فقرر الانضمام إلى الجبهة، وهكذا زاد عددنا إلى الضعف مرة واحدة، وبدأنا في سيناريوهات مختلفة تماما وازداد خطر الجبهة!!
أتذكر أننا اختلفنا يوما حول صياغة بيان، وزاد الخلاف بيننا ووهما منى بأننا جبهة بصحيح، قلت: إذن نلجأ للتصويت، هنا لم يتمالك عزوز نفسه من الضحك، وهو يضعنى على أرض الواقع..تصويت؟..تصويت إيه ياعم ده إحنا اثنين ومختلفين اعتبر التصويت 50 لك و50 لى !!
حزب عصام خليل بتاع الرولمان بلي
تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ بيانا صادرا عن حزب يدعى المصريين الأحرار، لصاحبه عصام خليل بتاع الرولمان بلى اللى في الوكالة، وفي بيان سيادته إعلان من الحزب بأنه يعتبر أن مرشحه في الانتخابات الرئاسية هو عبد الفتاح السيسي، وهو حق مشروع لأي حزب.. نعم من حق أي حزب أن يعلن دعمه لمرشح بعينه، وهو أمر طبيعى ويحدد موقف الحزب من الانتخابات الرئاسية القادمة.
لم تكن المشكلة في إعلان صاحب الحزب دعمه للسيسي رئيسا في الانتخابات القادمة، وإنما في صيغة البيان، فالرجل تحدث عن قيادات الحزب في الداخل والخارج، أي أنه حزب متمدد، لدرجة أن قيادته تدفقوا وتزايدوا حتى بلغوا مشارق الأرض ومغاربها.
وقال الرجل- لا فض فوه- في بيانه إنه يعد لغرفة عمليات مركزية وأخرى فرعية.. أي والله.. إذ يبدو أنه قرر إنشاء واحدة في الوكالة وأخرى في السبتية، وقال أيضا إن قيادات الحزب لن يسمحوا بأي مساس بالأمن القومى، وأن رجال الحزب على أهبة الاستعداد لمواجهة المأجورين!!
وكلف رئيس الحزب وحدة البحث ومركز الدراسات.. جامدة أوي الوحدة دي.. بمتابعة وتفنيد ودحض كل الادعاءات التي يزعمها مرشحون محتملون، أو جهات مدفوعة بغرض التشكيك في مرشح الحزب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو محاولة تفتيت وحدة الشعب المصري.. على غرار وحدة تفتيت الحصاوي في مركز الكلى بالمنصورة.
وشمر صاحب حزب المصريين الأحرار عن ساعديه، وأعلن عن مكنون صدره بأن قال إن أمانات الشباب والمرأة والعمل الجماهيري مركزيا وفرعيا -يعنى مركز الوكالة وتفريعات شارع 26 يوليو وزقاق المدق وزنقة شمبليون- كل هؤلاء سيتولون حالة التوعية العامة على الأرض، واستخدام كافة المنصات المتاحة وغير المتاحة.. إلخ.
بيان حزب عصام لصاحبه الأحرار
كل ما مضى من بيان حزب عصام لصاحبه الأحرار أو العكس لا يعنى بالنسبة لي ولا إلى المهتمين بالشأن السياسي شيئا، فمن حق الرجل أن يتصور نفسه حزبا كما تصورت نفسي جبهة تحرير، ومن حقه أن يصدر بيانات فكم من بيانات أصدرها وحدى، ولكن الكارثة أن وسائل إعلام تناولت الأمر كما لو كان ذلك فتحا مبينا.
وتناول وسائل الإعلام مثل هذا الكلام جرى إما بجهل أو بترتيبات ونشره بين العامة والخاصة، الذين لا يعرفون من هو عصام خليل ولا زميله في الحزب، أو الذي يشاركه في إصدار البيانات لا يضيف إلى الانتخابات الرئاسية ميزة أو ثقلا وإنما يحدث العكس.
مدرسة التسالى السياسية
رحم الله الحاج أحمد الصباحي صاحب الريادة في مدرسة التسالى السياسية، وصاحب حزب الأمة الذي كان يقوده ومعه اثنان أو ثلاثة أيام أن كانت له جماهيرية واسعة ومخيفة وقادرة على دعم الرئيس مبارك، الحياة تتغير إلا من هؤلاء الواقفين عند زمن السحتوت وعصر جبهة تحرير الأحرار.
هل ما جرى في مصر من أحداث جسام ومشروعات طالت عنان السماء بحاجة إلى أن تبقى الحياة الحزبية عند نفس المخرج العتيق؟..هل ما جرى في بلادنا من تغيير سلبا وإيجابا وبناء مشروعات عملاقة منها ما اتفقنا عليه ومنها ما اختلفنا عليه لم يحرك في مياه الحياة الحزبية راكدا عفنا حتى اليوم؟ هل مرشح بحجم السيسي يرى أنه بحاجة إلى دعم مثل هذه الكيانات المشوهة؟ هل يصبح لأمثال عصام خليل قيمة سياسية في هذا الوقت المفصلى والحرج؟ وهل لا يزال لنفس كاتب سيناريوهات السذاجة والسطحية وظيفة وعمل وسوق؟