الفن وسنينه
دورة مقبولة لمهرجان الدراما رغم الأخطاء والمجاملات!
للدراما المصرية تاريخ طويل وحافل بالأعمال المتميزة التي أثرت المكتبة العربية لسنوات طويلة وساهمت بشكل كبير في تشكيل وعي ووجدان المشاهدين في مصر وفي كل الدول العربية، منذ أول مسلسل تليفزيوني مصري هارب من الأيام عام 1962 بطولة عبد الله غيث وحسين رياض وتوفيق الدقن عن قصة للأديب ثروت أباظة وإخراج رائد الدراما المصرية نور الدمرداش..
ثم توالت بعد ذلك مئات المسلسلات العظيمة أمثال.. القط الأسود، الضحية، الدوامة، أم العروسة، الأيام، دموع في عيون وقحة، المال والبنون، ليالي الحلمية، رأفت الهجان، أرابيسك، العائلة، ضمير أبلة حكمت، وغيرها من الأعمال في العصر الذهبي للدراما المصرية حتى نهاية التسعينيات والذي كان لكبار الأدباء والكتاب نصيب كبير من هذه الأعمال.. ثروت أباظة، طه حسين، محمد عبدالحليم عبد الله، صالح مرسي، أسامة أنور عكاشة وغيرهم..
وذلك قبل أن يتراجع مستوى هذه الدراما تدريجيًا كيفًا وكمًا برحيل معظم هذا الجيل الفذ ليبلغ الذروة منذ أحداث يناير 2011 حتى الآن بعد انتشار مصطلح الورش الفنية وندرة المؤلفين الموهوبين، فسادت الأعمال التي تروج للقيم السلبية المرفوضة مثل البلطجة والعنف والجريمة والجنس وتعدد الزوجات والربا إلى آخره.
هذا للأسف في الوقت الذي شهدت الدول العربية تطورًا مذهلًا في صناعة الدراما التليفزيونية، فتراجع تمامًا اهتمامها بالدراما المصرية التي تعيش أسوأ عصورها في السنوات الأخيرة!
60 سنة دراما
كانت فكرة إقامة مهرجان للأعمال الدرامية التليفزيونية المصرية على غرار المهرجان القومي للمسرح والمهرجان القومي للسينما فكرة صائبة من نقابة المهن التمثيلية ونقيبها الدكتور أشرف زكي وبرعاية ودعم وتنظيم من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لما لها من أهداف تحفيزية لصناع الدراما علهم يبذلون مجهودات أكبر للارتقاء بها..
ورغم أن الدورة الأولى من هذا المهرجان الوليد التي انطلقت في 21 سبتمبر 2022 تحت مسمى مهرجان القاهرة للدراما برئاسة الفنان الكبير يحيى الفخراني لم تجذب الانتباه بما يتوازى مع أهمية الحدث لعدم الإعداد لها بشكل جيد، إلا أنها كانت خطوة جيدة ومحمودة.
وانتظرنا الدورة الثانية للحكم بشكل أصدق وأدق على هذا المهرجان والذي أعلن القائمون عليه احتضان مدينة العلمين الجديدة لها بشكل استثنائي ضمن فعاليات مهرجان العلمين العالم علمين الترفيهي تحت عنوان 60 سنة دراما بمناسبة مرور أكثر من 60 عامًا على بداية صناعة الدراما المصرية، والذي اختتمت أعماله في الساعات الأولى من صباح أمس الجمعة..
بحضور عدد كبير من الفنانين وصناع الدراما والإعلاميين والصحفيين والقنوات الفضائية المصرية والعربية، حيث تم توزيع الجوائز والتكريمات على مجموعة كبيرة من أهل الفن، وجاءت نسبة كبيرة من هذه الجوائز خارج التوقعات خاصة جوائز تصويت الجمهور والتي استحدثها المهرجان في هذه الدورة..
والتي خالفت تمامًا جوائز لجنة التحكيم مما يدل على التباعد التام بين مقاييس أعضاء لجنة التحكيم من المتخصصين والجمهور العادي وذلك باستثاء جائزة أحسن ممثلة دور أول والتي استحقتها من الجانبين الرائعة منى زكي عن دورها الأفضل في مسيرتها حتى الآن بمسلسل تحت الوصاية والذي حصد أيضًا جائزة أحسن مسلسل وأفضل ممثل دور ثان لرشدي الشامي مناصفًة مع حمزة العيلي عن رسالة الإمام وأحسن مونتاج ضمن جوائز لجنة التحكيم.
إيجابيات وسلبيات
مكان إقامة المهرجان هذا العام بمدينة العلمين الجديدة على شاطىء البحر المتوسط من إيجابيات المهرجان ومن أهم أسباب تزايد عدد الحضور من الفنانين وصناع الدراما والإعلاميين بشكل واضح وكبير مقارنةً بالعام الماضي.
تكريم رموز الدراما التليفزيونية أمر محمود بالتأكيد مثل.. شيخ المخرجين محمد فاضل والفنانين الكبار رشوان توفيق وخالد زكي وأسامة عباس وهالة فاخر.
من الإيجابيات أيضًا توسيع دائرة التنافس بين المسلسلات بحيث لا تقتصر على أعمال رمضان فقط كما حدث العام الماضي لتشمل باقي المسلسلات التي عرضت حتى قرب موعد إقامة المهرجان وقد بلغت حتى هذا التوقيت 59 مسلسلًا تليفزيونيًا، كذلك إهداء جائزة للفنان مصطفى درويش الذي رحل في مايو الماضي.
أما عن سلبيات المهرجان هذه الدورة فأهمها سوء التقدير في التعامل مع الصحفيين ومراسلي المحطات الفضائية حيث اقتصرت دعوة الحضور على التغطية على الريد كاربت دون التواجد في مكان الحفل وتوزيع الجوائز وهذا جوهر عمل الصحفيين والإعلاميين وهو ما حذا بعدد ليس بقليل منهم إلى مقاطعة المهرجان إضافة إلى استنكارهم عدم تكفل المهرجان باستضافتهم لمدة يوم على الأقل لتغطية الحدث بدلًا من تكبد عناء السفر لمدة 4 ساعات والعودة في ذات اليوم!
كانت هناك بعض اللخبطة والتخبط في التنطيم خاصةً في توزيع الجوائز والتكريمات الكثيرة جدًا وهو ما ظهر مع الناقد طارق الشناوي عضو لجنة التحكيم عندما كان يبحث عن الورقة التي بها بعض الجوائز ليعلنها، وعندما لم يجد سوى تمثالًا وأحدًا فقط ليعطيه ثلاثة فائزين معًا!
شاب بعض التكريمات الخاصة بالفنانين بعض من المجاملات والترضيات منها تكريم الفنانة القديرة لبنى عبد العزيز في مهرجان دراما وهي لم تقدم سوى مسلسلًا تليفزيونيًا يتيمًا في تاريخها السينمائي بالكامل وهو مسلسل عمارة يعقوبيان! نفس الحال مع كريم عبد العزيز الذي لم يقدم إلا 7 مسلسلات فقط وتركز نشاطه في السينما، كذلك تكريم منة شلبي التي مثلث واحد من أسوأ أعمالها في السنوات الأخيرة مسلسل تغيير جو رمضان الماضي!
وبالنسبة للجوائز أعتقد أن ماجد الكدواني كان يستحق جائزة أحسن ممثل كوميدي عن عمله الكوميدي موضوع عائلي وليس أحسن ممثل عمومًا فهناك من كان يستحق هذه الجائزة مثل خالد النبوي عن رسالة الإمام وأحمد السعدني عن سره الباتع..
أما عن جوائز الجمهور الغريبة! فقد حصد أغلبها مسلسل جعفر العمدة الذي به مشاكل عديدة ويكفي أنه يروج لسلوكيات بعيدة عن أخلاق وتقاليد أولاد الأحياء الشعبية العريقة مثل حي السيدة زينب! أخيرًا أرى أن دور الفنان القدير يحيى الفخراني كرئيس للمهرجان كان دورًا شرفيًا وباهتًا لا يليق به وأنصحه بالاعتذار عنه حفاظًا على تاريخه!