الشخصية المصرية والقابلية للاستهواء
عنوان ثقيل حقا، وما أغربه على عناوين مقالاتي، لكنى حاولت تبسيطه بأكثر من ذلك فأخفقت، ولأن الموضوع علمى بحثي بالدرجة الأولى، فإن العنوان بهذه الصياغة فرض معناه ومبناه، أي فرض نفسه حروفا ومعان..
من طبيعة الشخصية المصرية سرعة التصديق، فكلنا نتلقى الخبر، وننقله، تحت مظلة لفظ اسمه يقولون، أو سمعت، دون أن نتيقن من صحة الكلام وما مصدره الناشر ومن صاحبه الكاتب، ومن الناطق به مسئولا كان أو بطل الواقعة.. نحن نسرع بالتصديق، ولا نفحص ولا نراجع، فهل يتحقق مع الذيوع والشيوع أية مصداقية..
انتشار الأخبار المزورة يجعل الرأي العام كله في حالة جدال متبادل، بل في سباق لمضغ الزيف، واجتراره كما يفعل الجمل..
فينا بالطبع من يتريث، ويراجع، ويتيقن، ولكن ماذا تفعل الحقيقة وسط ضجيج المجانين، علي السوشيال ميديا، كل صاحب صفحة صار رئيس تحرير مستقلا، يبث ما يشاء بلغة عربية مخزية، لا نحو ولا صرف، ولا إملاء صحيح.
شائعات وأخبار مضللة
خبر الطائرة المصرية منذ صباح أمس كان وجبة شهية للمصريين طوال اليوم، وكلما قرأت الخبر على منصة وجدته على صفحة أخرى فيه اضافات تؤكد أن الطيارة والمصريين الستة والملايين الستة تقريبا والـ127 كيلو دهب جميعها، عمل من أعمال رجل أعمال، أحيانا يصفونه بالمصري، وأحيانا لبناني، لكن البعض اختار ان يجعل من مطار الكونغو موضع انطلاق الطيارة التى احتجزتها سلطات زامبيا واعتقلت ركابها، بفلوسهم وذهبهم ومخدراتهم وأسلحتهم!
الواقعة يمكن نسبتها لكاتب سيناريو أكشن، وهو ما استهوى الألسنة، بل وجد ميلا عاليا لجهات سياسية ونشطاء خصوم للدولة، وأخذ الجميع يتحدث عن هروب الكبار من البلد تحسبا لسوء الأحوال.. وترددت أسئلة، من الهارب التالي؟ هل خرجت الطيارة الخاصة من مطار القاهرة، وكيف فات تفتيشها علي الأمن وسلطات الجمارك؟ عشرات الأسئلة والاجتهادات والتخريجات، ومع نهاية اليوم انحسرت موجة إغراق الميديا بخبر ونقيضه كل خمس ثوان تقريبا..
ويمكن القول بهدوء أن هذا التناول أشبه ب شغل المصاطب في القرى والنجوع.. وهو ناجم بالضرورة عن فراغ واسع استغرق الناس فبدأت اللكلكة، ومن عجب أن الميديا التى هي أصل بث الخبر أي خبر، كانت تتراجع أمام البث الشعبي المزاحم والمندفع، وخصوصا إذا كان الهدف تسجيل عدد هائل من الزيارات للموقع!
لا تشتعل الشائعات أو الأخبار المختلطة إلا إذا كان هناك غياب فاضح لإعلام موثوق به، مهمته ومهنيته أن يبادر فيقتل الكذب فورا.
الأمر الطيب في شعبنا أن كل نار تصبح رمادا.. فالخبر الساخن سيبرد مع مرور عقارب الساعة، ومع آخر النهار، يفتش الناس عن مضغة جديدة، حقا أو زيفا، المهم أن تستمر عجلة طحن القيل والقال دائرة لا تتوقف، تلتهم الحقيقة، وتجرد وسائل الإعلام من أعز ما تملكه وهو شرفها المهنى، وقوامه الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.