وباء ثم غلاء ثم حرب ثم حر فإلى أين ؟
متى تذوق المصريون طعم السعادة ؟ يصعب أن نتذكر يوما عشنا فيه كمواطنين سعداء، رغم أن كل حكومة تعاقبت على إدارة موارد الدولة رفعت شعار إسعاد الناس، أو على الأقل إرضاء الناس، أو على الأقل تلبية احتياجات الناس..
لا ريب قط فى النوايا الحسنة لحكومات مصر المتعاقبة، عدا حكومة الإخوان ومخططاتها التى قسمت الشعب بين إخواني وقريشي كافر !
السعادة الصافية في حياة النفس المصرية كانت دائما الفصل الثاني، لأن الفصل الأول دوما كان محنة كبرى، محنة هزيمة يونيو بسبب الكذب والادعاء، فأعقبتها سعادة الفوز والنصر في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ علي جيش إسرائيل الذي لايقهر. ثم عرفنا طعم السعادة بعد الفصل الأول من زوال حكم الارهاب والتكفير في عهد المرشد وتابعه مرسي، فكان الفصل الثاني أروع فصول حياتنا وهو ثورة الشعب يدعمها الجيش في الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، ومرت مياه كثيرة مخضبة بالدم في شوارعنا وعلي حدودنا، ثم حل الهدوء، ودارت العجلة وترقب المصريون ثمرات إعادة البناء فجاء رعب كورونا، وتعطلت الحياة على الكوكب، وهي إذا تعطلت في الخارج مرة فإنها تتعطل في الداخل عندنا ألف مرة.. بسبب ثقافة الاستنطاع والانتهازية المتوغلة، المتمكنة.
وغارت كورونا بعد مرار ودموع فجاءت أوكرانيا وجاء الغلاء الفاحش فانكسرت النفوس، وضرب الحزن جنبات الوطن، إلا من طبقة لا تزال تعربد وتنفق ببذخ المجانين كأنهم يكيدون للناس المخنوقين كيدا.
لا يوجد فصل ثاني من السعادة كما كان النموذج المصرى التقليدي سائدا، ففصل الغلاء، من بعد الوباء، لا يزال ممتدا، بل حل الحر الكوكبي حلولا جحيميا، يصطلي به المصريون والعالم أجمع تقريبا.
وباء ثم غلاء ثم قبس من نار الآخرة يأخذ بأنفاس العالم يزهق الأرواح ويشعل الحرائق.
هي إذن لا تكون سعادة صافية في حقيقة الأمر، إنما نحن نتشبث بنسماتها، نستدعى الفرحة لنقوى المناعة الوطنية، وإذ تعيش البشرية حاليا. محنة وجودية عظمى تتجاوز قدرات القوة والعلم، فليس أمامنا إلا الأمل في عفو الله، وأن يحل عقابه بمن أفسد وظلم وسرق وأخل بموازين الكوكب.
نفوسنا منكسرة نعم، أرواحنا حزينة شاردة نعم، فلوسنا ورقات بلا قيمة نعم. بيوتنا أماكن للشجار والمباكتة والمنازعة نعم. شوارعنا غضب وتحفز نعم ونعم. نسرق بعضنا البعض في متطلبات العيش نعم !
ثم ماذا ؟
ما مؤدى هذا كله ؟
لا يجب أن نستسلم، لا يجوز أن نفرط، فمن العار أن نضيع الجدران الأربعة وإن نهدم السقف الذي يظللنا. هي محنة كبيرة بفعل قرارات وسياسات وشخوص غاب عنهم الخيال وتمكن منهم التعجل، داخليا وخارجيا، يدفع الملايين الثمن وما أفدحه: ليس الجوع هو الثمن، بل فقدان الأمن والأمل..
إن العالم كله في حرب وفي حر وفي كبد..والأسوأ يلوح في الأفق
تلك الروح الحزينة ليست مصرية فحسب بل آدمية عامة..
ما نحن فيه انقلاب الكوكب على أهله..لعلهم يعقلون..