رئيس التحرير
عصام كامل

أنا ونجم وحجاب والأبنودي!

منذ أيام لحق شاعرنا وكاتب الأطفال شوقى حجاب بأخيه الشاعر الكبير سيد حجاب.. لم يفقد عم شوقى حجاب طفولته حتى آخر نفس.. عاش في وجدان الأطفال من خلال الشخصيات التى ابتكرها وفرح بها الكبار والصغار في مصر والمنطقة العربية، من فينا لم يحب بقلظ وأرنوب وكوكي كاك ودقدق وضاضا العضاضة وبسبس هو، فركش وفرفوشة.


الكثير منا عاش واحتضن  شخصية دبدوب حيث الدب طيب القلب الذى يفاجئ المحيطين به بأفعاله وأفكاره، ويحمل معه دائما صندوقا يضع به أشياء متنوعة، وشخصية دقدق وهو خيال مآته لشخصية غير مصرية ابتكرها شوقي حجاب، وتحلم دائما وتكره أن يعاملها الناس كخيال مآته، وتتمنى أن يتعاملوا معها ككائن له قيمة وشخصية محترمة.


أيضا ابتكر حجاب شخصية ضاضا العضاضة وهي فأرة قراضة تخطف أي شيء من حولها وتحاول أن تبدو في منتهى البراءة، وشخصية الغزالة لا لا، بطلة المسرحية التي تحمل اسمها، وهي عبارة عن عروس من القفاز، تعيش فى مجتمع متخلف لقبيلة متزمتة، تُحرم السهر والغناء والتعليم والكهرباء.


واعترف أن علاقتى بشقيقه سيد حجاب أو عم سيد كما كنت أحب أن أناديه، كانت أقوى وكثيرا ما سافرنا في الأقاليم معا وكان موسوعة ثقافية رفيعة ومتنوعه، شاعر له حس سياسى نادر.

 

"لو مت ع السرير ابقوا احرقوا الجسد.. ونطوروا رمادى ع البيوت.. وشوية لبيوت البلد.. وشوية ترموهم على تانيس.. وشوية حطوهم فى إيد ولد.. ولد أكون بُسُته.. ولا أعرفوش"، هكذا كتب عم سيد وصيته ووصيتنا  قبل أن يرحل.. ولم ننفذها.. عاش وغنى ومات مع جنياته قبل أن يحملنه إلى بحور البقاء الأبدية  بعد أن ظل غارقا معها فى بحور الشعر.

 

حفر الشقيقان مكانا بأشعارهما في قلوبنا جميعا منذ الستينات من القرن الفائت، جاء عم سيد بجنياته إلينا من بحيرة المنزلة ليتقابل مع القادم من صعيد مصر بعبد الرحمن الأبنودى  ليلتقيا معا فى محراب صلاح جاهين وليفترقا بشكل عنيف في نهايات العمر.

 
كان والده بمثابة المعلم الأول له في عالم الشعر، البداية  في جلسات المصطبة الشعرية حول الموقد في ليالي الشتاء الباردة  وما أدراك البرد فى بيوت نائمة حول البحيرة.. يتابع الأب والصيادين وهم يتدفأون برداء الشعر من البرد الرصاص الذى يعرف مقصده فى العضم، ويعزفون بموسيقاه ويبحرون بصوره وحكمه فى بحار الليل الممتدة إلى آذان الفجر..

 

وكان الفتى يجلس مشدودا باذنه وقلبه الأخضر، وبيده الرقيقة يدون كل ما يقوله الصيادون، وبعدما تنفض الجلسة يبدأ هو فى تقليد ما سمعه ويحاول محاكاتهم، وكان يخفى ما يفعله عن والده خوفا من حرمانه من الجلوس مع الكبار، حتى تجرأ ذات ليلة وأطلع أباه على أول قصيدة كتبها عن شهيد باسم نبيل منصور.. وكانت المفاجأة تشجيع والده على الإبحار في بحور الشعر.. فهى أرحم على أية حال  من الغوص مع الصيادين فى  غياهب بحيرة المنزلة..


عرفته قبل أن أراه وغنيت معه على حنجرة على الحجار وعفاف راضى وعبد المنعم مدبولى لكن تأخر اللقاء الشخصى سنوات، وحين بدأت المشوار الصحفى وقف الأبنودى بشكل لا مرئى في طريق اللقاء وتكرر الموقف الأبنودى أيضا من الالتقاء مع أحمد فؤاد نجم.. 

 

نعم لم تكن هناك فرمانات أبنودية مباشرة، لكن كانت اللقاءات والجلسات  معه في القاهرة والمحافظات تشى بذلك وعرفت منها ومن الأصدقاء أن الثلاثة لا يطيقون بعض، ولا يجتمعون في مكان واحد.. لماذا؟

 

الإجابات غائمة من الثلاثة ولا تقنعنى، وفى إحدى المرات تجرأت عندما جمعتنى إحدى السفريات الطويلة مع سيد حجاب أن اسأله بهمس وأنا جالس بجواره لماذا لا تحب الأبنودى؟  صمت وبدأ يسرد حكايات لم تقنعنى.. وحين عدت من السفر وفي أول لقاء جمعنى مع الأبنودى سألته نفس السؤال.. وكانت الإجابة غير مقنعة لى.. 

الأبنودى وسيد حجاب

لكن الذى عانيت منه أننى كنت محسوبا على الأبنودى للدرجة التى قالها لى سيد حجاب وأحمد فؤاد نجم  مباشرة مع فؤاد قاعود: بأننى أبنودى الهوى.. ورسخ من ذلك دفاعى الحارعن الأبنودى وشاعريته فى كل محفل ومجلس ونشرى لكل قصائده الجديدة فى العدد الاسبوعى للجمهورية،  وللأمانة كان يفضلنى عن الكثير من الأصدقاء من كبار الصحفيين ورؤساء تحرير بعض الصحف للصداقة بيننا ولنجاح صفحة نادى أدباء الأقاليم التى كنت أشرف عليها.. 

 

المهم ظلت العلاقة فاترة على المستوى الشخصى مع نجم وحجاب حتى وخزنى ضميرى المهنى عن خسارتى الصحفية والإنسانية أيضا إذا لم أصاحب ضلعا مثلث العامية المصرية، نجم وحجاب مثلما هو الحال مع الأبنودى، وساقتنى الأقدار ودبرت بعضها  للقاء فؤاد نجم وأكثر من لقاء مع حجاب ونشرت لهم قصائدهم وحوارات معهما فى الجمهورية تارة أو بأحاديث ودودة عبر التليفون معهما أو بالتسجيل بالفيديو وكان الأبنودى يدارى انفعاله أحيانا ويرمى ببعض كرات اللهب فى أحيان أخرى.. 

 

وكنت  أرد عليها بسخرية شديدة ترطب الأجواء كثيرا: من عينة والله سيد حجاب كتب تتر مسلسل هايل أو له قصيدة منشورة وهكذا، ولا انسى أننى تعرضت لحرج شديد مع الأبنودى حين استشهدت فى مقال لى بمقطع من تتر مسلسل أبى العلا البشرى: 
"لو مش هتحلم معايا.. مضطر احلم بنفسى.. لكنّى فى الحلم حتى.. عمرى ما ح أحلم لنفسى".

 
وأشدت بسيد حجاب باعتباره صاحب الأغنية  من وجهة نظرى باعتباره جو حجاب الشعرى بلا مواربة.. وبعد نشر المقال  فوجئت باتصال تليفونى من الأبنودى يشيد فيه بمقالى واستشعرت أن هناك مقلب ما لأنه لا يعقل أن يشيد بمقال استشهد فيه بمقطع لغريمه سيد حجاب، وكانت المفاجأة قوله أنا مبسوط إنك معجب بهذه الأغنية وأضاف ساخرا ورغم أنك معجب بها لأنك تصورت أنك بتغيظنى إلا إننى اغيظك واقولك أنا فرحان باعجابك لأن الأغنية بتاعتى.. 

 

 

وقهقه قائلا: فرحتنى من حيث لا تريد.. والحقيقة ظننت أنه مقلب الأبنودى لكنه أقسم ولم يكن وقتها النت وجوجل موجود للتأكد، وبعدها ذهبت لأرشيف الجمهورية وبحثت حتى تأكدت من صدق الأبنودى فاعتذرت  فى مقال الإسبوع الذى يليه لكن مازالت ضحكاته الشامتة ترن  فى أذنى حتى الآن!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية