في بيتنا مشكلة!!
في كل بيت مشكلة.. الزوج أو بالأصح الأب في واد.. والزوجة أو بالأصح الأم في واد.. والأولاد في واد! ويحتدم الصدام بين الجميع ويمتد، ظاهرا إلى درجة الحدة أو مرتديا في بعض الأحيان زي اللاحرب واللاسلم أو ساكنا ما بين النار والرماد ينتظر من يشعله.
تتنوع الأسباب.. والنتائج تتفاقم، منها ما هو أزلي ومنها ما هو طارئ، منها ما هو مزمن ومنها ما هو الحالي بل والمستقبلي.. المهم تعددت الأسباب والنار واحدة!! نعترف في البداية أن الصراع الأزلي موجود ومستمر منذ خلق البشرية وحتى الآن.. أقصد صراع الأجيال.. وتتفاقم حدته كلما اتسعت الهوة بين الأجيال..
وتزداد الحدة الآن بالنسبة لجيل الآباء الحالي أو كما يعتقدون أنهم أكثر من الأجيال السابقة تضررا من هذه النيران بسبب التغيير الصاروخي في المفاهيم والعادات والتقاليد واللغة والأزياء.. إلخ، لكن الأكثر تأثيرا أو خطورة يكمن مع انتشار وسائل الإعلام الحديثة والتطور التكنولوجي على وجه العموم وعالم الإنترنت والسوشيال ميديا على وجه الخصوص.
على طرف الصراع يقف جيل الآباء أو المدرسين أو الرؤساء في العمل وهم الموصمون بالمحافظين من وجهة نظر الأبناء باللفظ الأكثر تأدبا ولن أقول الكلمة التي تقال بالفعل حين تشتعل نيران الخلاف وهي المتخلفين وللحاق ببعض بقايا الخجل يضيفون للفظ المتخلفين جملة عن الركب والمتمسكين بالموروث والتقاليد القديمة التي نشأوا عليها!
وعلى الطرف الآخر يقف الأبناء أو الطلاب أو الموظفون، وهؤلاء نشأوا في ظل انفتاح اجتماعي وثقافي واسع، يرفض كل ما هو تقليدي وموروث، وطبعا لا تقف الأزمة عند حد الاختلاف بل تتعدى ذلك إلى مستوى الصراع والاتهامات المتبادلة.
تهم السطحية والتفاهة وقلة الخبرة.. سهام من الآباء إلى الأبناء، ويرد الأبناء بسهام أكثر قسوة من عينة التخلف والجهل والتمسك بثقافة قديمة متعفنة عفا عليها الزمن والجهل الفاحش بمتغيرات الحياة الحدثية والحياة التيك أواي.
وتتجلى هذه الصراعات في صورة حادة في المجتمعات التي تمر بمراحل انتقالية صعبة خاصة بعد الثورات أو التغييرات الجذرية في أنماط السلوك والتفكير والتي يكون لها أكبر الأثر في تشكيل أفكار واتجاهات الأبناء حيث الانتقال من مرحلة القيود الأسرية وتلقي الأوامر والتعليمات إلى مرحلة الحريات والقدرة على التعبير، خاصة مع تطور أشكال الأعلام الإلكتروني.
تفسخ اجتماعي
وهنا يقف الآباء عاجزين عن التقدم للأمام في اتجاه أبنائهم ولا يبقى أمامهم إلا إرغام الأولاد على العيش في ظل ثقافة محافظة لاعتقادهم بأنَّ هذا التطور في الفكر والاتجاه يقود الشباب إلى الهاوية، وهو ما يرفضه الأبناء بالطبع، وبهذا تتولد جذوة الصراع وأسبابه.
والراصد للمشهد الآن يرى بعض أسباب الصدام ولكنه لا يستطيع رصد كل جوانبه.. فقد يعرف بدايته ولكن لا يعرف نهايته الممتدة إلى حيث تقوم الساعة.
مثلا.. هل اللغة ومتغيراتها أحد أوجه الصدامّ؟! ممكن.. فلقب الأب على لسان الأبناء كان أبويا ثم بابا ثم بابي ثم دادي ثم الحاج ثم حجيج وبعدين الاسم مجردا من أي لقب ووصل الحال إلى يا اسطى وقشطة وحلاوة وما بينهم من ألقاب وهو ما يترك الأثر.
ومن اللغة واللقب إلى العادات والتقاليد.. منحى آخر.. كان الأب سي السيد، لم يكن الابن يجرؤ أن يناقش أبيه وليس أن ينام ولا يتحرك له ساكنا وهو مفنجل العينين وأبيه يدخل عليه، وهو جالس بجواره، ولم يكن الابن يستطيع أن يظل جالسا وأبيه داخل عليه غرفته أو في أي مكان في البيت، الآن يضع الابن أو الابنة رجلا على رجل وأحيانا تتدلى من الفم السيجارة أو لي الشيشة.. وأنا أعرف رجالا ماتوا في الستين ولم يجرؤ أحدهم أن يدخن سيجارة أمام والده !
نقول كمان ولا كفاية! ويأتي العامل الاقتصادى ليكون أحد مرتكزات الأزمة.. كل أفراد الأسرة ينظرون إلى مالا يملكونه، من الموبايل إلى السيارة إلى الشقة إلى اللبس والحذاء.. إلخ
من يحمل موبايل يحلم بالأحدث حتى يصل إلى ماركات تفوق الـ100 ألف جنيه، ومن لا يملك عجلة ينظر إلى من يملك مرسيدس ومن يملك مرسيدس ينظر لمن يملك طائرة أو يخت.. من يسكن في غرفة ينظر لمن يملك شقة ومن يملك شقة ينظر لمن يملك فيلا ومن يملك فيلا ينظر لمن يملك شاليه على البحر.. هكذا
والكارثة أن الأعمال الدرامية ترسخ لأوضاع اجتماعية يظنها الكثيرون أنها هي العادي والطبيعي الذي يستطيع الأب تحقيقه بسهولة، العادي مثلا أن تسكن فيلا بحمام سباحة وسيارة أحدث موديل وبسائق مع طاقم من الخدم ويملك الشخص شركة تكسب من الهوا، وترسخ بعض الأعمال الدرامية الأخرى أن الفهلوة والنصب هي الطريق الملكي للثراء والثروة!
باختصار لا أحد يرضى بما يملك ولا أحد قانع بما لديه وهذا سر الأزمة وسبب ارتفاع نسب الطلاق والانفصال والتفسخ الاجتماعي، والأب أو الأم يجدان ـنفسهم عاجزين عن تلبية هذه الاحتياجات المبالغ فيها، وأصبحت جملة "أنتم بتخلفونا ليه" جملة سائدة بين الأولاد حين يقارنون وضعهم بما يرونه على شاشات التليفزيون أو الإنترنت!