رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة يوليو بعيون بريطانية!

عندما نقول إن المخابرات الغربية وراء الأزمات والكوارث التى تحاك لنا ولغيرنا من دول العالم الثالث نجد أصواتا معارضة تتهمنا بحس المؤامرة البعيد عن الواقع، وأن أنظمة الحكم تتدعى ذلك لتبرير سياساتها. 


والمتابع للمستندات التى تفرج عنها بعض الدول الغربية بين حين وحين -وبعد مرور سنوات تحددها هذه الدول للإفراج عن هذه الوثائق- يكتشف العجب رغم ايماننا بأن الذى يفرج عنه ليس كل ما يكشف الحقيقة لكن على أيه حال القليل يكون مؤشرا عن ما خفى وكان أعظم.

 
وبمناسبة احتفالنا هذه الأيام بمرور 71 عاما على ثورة 23 يوليو المجيدة نكتشف العديد من المفارقات في بعض الوثائق التى كشفت عنها المخابرات والحكومة البريطانية.. ونشرها موقع BBC  البريطانى. 

 

على سبيل المثال كان البعض يروج عن وجود تنسيق بين الضباط الأحرار والامريكان بل وشط الخيال بالبعض إلى إدخال البريطانيين في دائره هذا التنسيق، وترد على هذه المزاعم إحدى الوثائق  التى نشرها BBC أن بريطانيا درست حشد تأييد الدول الغربية لتدخل عسكري دولي بعد إعلان الضباط الأحرار الانقلاب على النظام الملكي في 23 يوليو.


وتكشف الوثائق توجيه لندن إنذارا شفهيا مباشرا إلى اللواء محمد نجيب، قائد الضباط الأحرار، بأنها وضعت قواتها في مصر والشرق الأوسط في حالة تأهب للتحرك لو تعرضت أرواح البريطانيين للخطر، وتؤكد الوثائق أن بريطانيا فوجئت بتحرك الضباط، ولم تكن لديها معلومات عنهم أو عن نواياهم.


وهذا رد حاسم على المزاعم إياها، ويكشف محضر اجتماع  مجلس الوزراء البريطاني الذى ناقش الوضع فى مصر بعد 17 ساعة من اذاعة البيان الاول للثورة "عن أن القائم بالأعمال البريطاني في القاهرة إتش جيه كريزويل قد تلقى رسالة من عضو في الحكومة المصرية السابقة تقول إن "انقلاب الجنرال نجيب هو نتيجة إلهام حركة شُكلت بدعم من الشيوعيين والإخوان المسلمين. ويهدف إلى تنصيب نظام ثوري معاد للرأسمالية".

المصالح البريطانية


وانتهى الاجتماع الذي رأسه ونستون تشرشل رئيس الحكومة لتبرير وضع القوات البريطانية في المنطقة في حالة تأهب، واتفق الوزراء على أنه "من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الجنرال نجيب نفسه يسيطر على الموقف، أو ما إذا كان أداة في يد شخصيات سياسية غير موثوق فيها".


كما عبر الاجتماع عن الخشية من "نشوء تهديد يتمثل في ديكتاتورية شيوعية". واتفق الوزراء على أنه "حينئذ ربما نؤمن موافقة وإقرار العالم الحر لتدخل يستهدف ضمان قيام نظام ديمقراطي".، وقرر الاجتماع وضع القوات البريطانية المكلفة بالعمل في القاهرة والأسكندرية "في حالة التأهب للتحرك بعد إشعار لا يتجاوز 24 ساعة، إذا تعرضت حياة البريطانيين للخطر".


ومن هذه الوثائق نتوصل إلى نفى أى علاقه بين تنظيم الضباط الأحرار وبين الغرب على وجه العموم وأمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص، لإنه لا يعقل أن يكون هناك تنسيقا مسبقا ثم يفاجئ الغرب بقيام الثورة التى اطلقوا عليها انقلابا ضد الملك، من جهة، ويكون القرار البريطانى بالحشد الغربى وتوجيه القوات البريطانية لمصر من الخارج، وتحريك القوات الموجود في منطقه قناة السويس دليلا اخر على عدم معرفتهم بقيام الثورة أو حتى من قاموا بها.

 
الأمر الثانى الذى تكشف عنه هذا الوثائق أنهم رغم أن ولادة تنظيم الاخوان المسلمين كانت من رحم المخابرات البريطانية ولاسباب معينه تصب في صالحهم، وعندما وجدوا تعارضا مع مصالحهم اعترضوا على وجودهم على قمة الحكم  في مصر بعد نجاح الثورة.

 
فقد إنتهى جهاز استخبارات البريطاني أن التنظيم يتمتع بشعبية جارفة، وهو الأقدر على الفوز بأي انتخابات ومع ذلك  حذرت الاستخبارات من عاقبة تمكين الجيش للإخوان من الوصول إلى حكم مصر، بعكس ما روجوا له  بعد ثورة 30 يونيو!

المزاعم الاخوانية 


ونبه ممثل البحرية البريطانية في مكتب إس آي إم إي، أنه ليس هناك أساس لتحذير النظام السابق من الشيوعيين أو الإسلاميين باعتبارهم بعبعا مفزعا مزعوما، وقال “يبدو أننا، أخيرا هدّأنا شبح البعبع الشيوعي والشعور الآن هو أن الأهم هو أنه لا يجب أن نسمح لبعبع الإخوان المسلمين بأن يكون له مكان”..
 

وخلص التقرير إلى أن معلومات الاستخبارات أكدت أنه "إذا قرر الإخوان المسلمون دخول المعترك السياسي، فإنهم سيكتسحون الجميع في الانتخابات القادمة، ولن يكون لحزب الوفد فرصة في المشهد تأثير كبير في القضية الحالية".


وتكشف الوثائق بجلاء حقيقة المزاعم الغربية والبريطانية التى تبرر تدخلهم باسم الديمقراطية بأن لا ديمقراطية ولا يحزنون، "بدليل أن محضر مجلس الوزراء البريطانى يطالب "موافقة وإقرار العالم الحر لتدخل يستهدف ضمان قيام نظام ديمقراطي". 

 

كل ذلك أكاذيب فالمهم المصالح البريطانية بدليل تحذيرهم من اجراء أى انتخابات لانهم يعتقدون أن الإخوان المسلمين كانوا الأجدر بالفوز بها.


وتأتى المزاعم الاخوانية بأنهم وراء تكوين تنظيم الضباط الأحرار لتؤكد الوثائق البريطانية أن "عضوية ستة من الأعضاء العشرة (في الضباط الأحرار الذين أعلن أنهم بدأوا حركة الضباط) في الإخوان المسلمين ليست دليلا على أن الإخوان كانوا وراء الأمر".

 


ويضيف التقرير "يبدو أنهم (الإخوان) كانوا على علم مسبق بالانقلاب، غير أن ما يمكن رؤيته هو أنهم، كتنظيم، لم يكن لهم يد في التأسيس له والترويج له، ومعروف أن ستة من الضباط العشرة أعضاء في الإخوان المسلمين، وتأكد أيضا بشكل موثوق منه أن نجيب عضو".
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية