عبر القاهرة.. روسيا وأفريقيا معا
لابد أن الكتلتين، روسيا وحلفاءها وأمريكا وأذيالها، تنظران إلى مصر الآن نظرات متباينة، فالامتنان في عيني بوتين، والاستياء المكتوم يتردد في جنبات البيت الأبيض ودوائر التآمر الغربية!
مشهد الحضور المصرى رفيع المستوى في قمة روسيا أفريقيا الثانية، تأسس قبل ثلاث سنوات بدعوة وبفكرة مصرية وقت أن رأس الرئيس عبد الفتاح السيسي الاتحاد الافريقي عام 2019، وعقدت تلك القمة الأولى في سوتشى، وحضرتها ثلاثة وأربعون دولة، وكان جدول الأعمال وقتها التحديات النووية، واستغلال مناجم أفريقيا، وتقرر عقد القمة كل ثلاث سنوات.
قمة أمس تستمر يومين، حضرتها 49 دولة افريقية غابت عنها خمس دول، وانعقاد القمة في حد ذاته، وجدول الأعمال المطروح والكلمات التى ألقاها الزعماء الأفارقة، تتويج رسمي لعالم متعدد الأقطاب، بل يمكن القول إن ضغوط واشنطن المكثفة لمنع الدول الأفريقية من المشاركة في هذه القمة، باءت بالفشل الذريع.
وعكست كلمات الوفود الرئاسية والحكومية تراجع ثقة الأفارقة في السياسات الغربية، واستعاد كثيرون الماضي الاستعمارى الغربي للقارة السمراء. تاريخ خال من الشرف!
هذه القمة إعلان ساطع بنجاح روسيا في كسر العزلة الغربية، وكل المبادرات التى طرحها بوتين لمساعدة أفريقيا هى رد صارخ على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بأن الوجود الروسي في افريقيا يزعزع استقرارها.
مركز لوجيستي
الحق أن الاتحاد السوفيتى الراحل كان موجودا عبر مصر الناصرية الاشتراكية في افريقيا، ودول أفريقية كثيرة تبنت الاشتراكية وحصلت على السلاح الروسي والمستشارين الروس والحبوب والمنتجات الزراعية، واستمر ذلك لعقود، حتى تحلل الاتحاد السوفيتي بتآمر الغرب مع النخب الداخلية السوفيتية العميلة، تحت شعارات مسمومة هي حقوق الإنسان والانفتاح، يصدرونها لمنطقتنا العربية بلا هوادة بعنوان الربيع العربي.
الدخول الثاني لروسيا، نواة الاتحاد السوفيتي، ووريثته الكبرى ومركز ثقله، إلى أفريقيا، تعزز بالسياسة المصرية الجديدة، في عهد الرئيس السيسي، سياسة تؤكد انتماء القاهرة للقارة السمراء بقدر انتمائها العربي، وتستعيد سنوات من المجد والتعاون بين مصر الناصرية ومصر الحالية.
منذ حادث محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسنى مبارك في أديس أبابا عام 1995، أدارت القاهرة ظهرها لجنوبها الأفريقي كله، وتحولت بوجهها إلى المتوسط، وبجواره الأطلنطي، أي أوروبا وأمريكا، وتلك من الأخطاء الكبيرة للسياسة المصرية في عهد الرئيس مبارك رحمه الله.
الدخول الحالى لروسيا عبر مصر يسعى بقوة لنفوذ تتنازع عليه وتتصارع من أجله بكين وأوروبا وواشنطن، ومع الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين فإن التفاهم والتنسيق قائم بالتأكيد، مما يعني أن الشرق ينازع الغرب في مناطق الإرث الاستعمارى القديمة، والتى لا تزال ترى الغرب يتآمر عليها ويمارس سياسات تجويع وضغوط ومساعدات بشروط مهينة.
فاجنر أوجدت موطئ قدم قوية لروسيا في جمهورية افريقيا الوسطى، والجيش الروسي موجود بقوة في مالي بعد طرد الأخيرة للوجود العسكرى الفرنسي. يحاول الغرب التقليل من أهمية نتائج القمة في تحليلات مسبقة حتى لا يتوقع الأفارقة الكثير من رجل يعانى العقوبات والحصار وتراجع الأموال جراء وقف استيراد الغاز والنفط، ومنع صادرات الأسمدة.
لكن بوتين وجه لطمة عملية لتحليلات مخابراتية مضادة، فأعلن عن توريد القمح لست دول أفريقية في أمس الحاجة إلى القمح وإن ذلك مجانا، كما اعتبر مصر بوابة أفريقيا لتوريد الحبوب الروسية إلى كل أفريقيا، وأشاد بالرئيس السيسي والمشروعات المشتركة والافتتاح القريب لمشروعات المنطقة الصناعية الروسية بقناة السويس. فضلا عن مشروع الضبعة النووى السلمى.
ومن الواضح أن موسكو وافقت على جعل مصر THE HUB المركز اللوجيستي الرئيسي لاستقبال الحبوب الروسية وإعادة توريدها إلى دول القارة، وبالطبع ما كان هذا ليتحقق لولا البنية الأساسية الهائلة التى أنشأتها الدولة المصرية من صوامع تخزين على أحدث تقنيات العصر، وطرق مفتوحة وأماكن حفظ وتبريد. وغيرها مما يلزم..
هذه القمة الروسية الأفريقية نجاح للقاهرة، ونجاح لموسكو.. ومكايدة، مقصودة أو غير مقصودة ليس مهما، للغرب.. ننتظر رد فعل الأوغاد..