لماذا لا تكون شائعة وفاة مدير المدرسة فرصة للمراجعة!
احتدمت وسائل التواصل الاجتماعي غضبا بعد تداول شائعة وفاة مدير مدرسة في المنيا أثناء عمله الإضافي بمهنة البناء وهو ما نفته نقابة المعلمين بالمنيا التي تواصلت مع اهل الفقيد ثم تبين لها أنه توفي بأزمة قلبية وليس نتيجة جهد شاق في مهنة لا تمت لا بالتدريس ولا بالتربية بأدنى صلة!
طبيعي أن تحدث تلك الشائعة بالصورة التي جرى تداولها صدمة في أوساط السوشيال ميديا وربما في الشارع أيضا.. أما الصدمة فهى أن يتوفى مدير مدرسة أثناء عمله في مهنة إضافية شاقة بدنيًا لا صلة بينها وبين مهنته الأساسية التي هى رسالة أكثر منها وظيفة أو أكل عيش..
وأما التناقض فلأننا اعتدنا أن نرى مدرسين يرفلون في نعيم الحياة بدخل مرتفع يأتيهم من عوائد الدروس الخصوصية ويركبون سيارات فارهة ويبنون مساكن غالية.. رغم أن ذلك تصور خاطيء وتعميم مغلوط، فمن يتنعم بخيرات الدروس الخصوصية فئة قليلة أكثرهم في القاهرة وعواصم المحافظات.. أما القرى والأقاليم وهم السواد الأعظم من المعلمين فهم في مشقة كبيرة ورواتب متدنية لا تصلح لحياة ترتفع فيها الأسعار بصورة رهيبة..
ورب ضارة نافعة فشائعة وفاة مدير المدرسة بالمنيا ليس معناه أن رواتب المعلمين في أحسن حالاتها وإلا فلماذا لا تزال الدروس الخصوصية تتوغل في مجتمعنا وتلتهم أغلب دخول الأسر المصرية لاسيما أولياء أمور طلاب الثانوية العامة ثم إن الشائعة لا تنفي أن هناك معلمين وتربويين يمتهنون إلى جانب وظائفهم بالتربية والتعليم وظائف أخري أكثر مشقة لتلبية احتياجات أسرهم المتزايدة..
وهو ما يطرح سؤالا افتراضيا لكنه لا يخلو من واقعية: فكيف يتسنى لمعلم يمتهن مهنة ثانية مجهدة للبدن أن يقوم بواجبه الأساسي في تعليم وتنوير الطلاب بينما هو يستنزف صحته وعافيته وتركيزه وربما روحه في عمل إضافي مميت؟!
إصلاح التعليم
التعليم والصحة ركيزة أساسية لأي تنمية حقيقية وكل تجارب النجاح تقول إن البشر قبل الحجر؛ فإذا راجعت تجارب النهضة الكبرى حول العالم فإنها جميعا تقودنا إلى نتيجة واحدة مفادها أن إصلاح التعليم ومن ثم إصلاح أحوال المعلم ماديًا ومهنيًا بداية لأزمة لأي نهضة تعليمية بحسبان المعلم أهم عناصر المنظومة التعليمية وأي تقصير في دعمه وترقية أحواله يفشل أي مساعٍ لإصلاح التعليم ويفرغ أي مسعى من مضمونه..
في فنلندا مثلًا وهي من الدول الراقية تعليميًا تجدها تشترط أن يكون معلم الابتدائي حاصلا على الدكتوراة ومن ثم تمنحه أعلى الرواتب في الدولة وهو ما يفسر لماذا نجحت فنلندا وتبوأت صدارة التصنيف العالمي في جدارة التعليم وكفاءته وتراجعنا نحن.
من دون معلم كفء يتقاضى راتبًا يكفيه ويقيه شر اللجوء للدروس الخصوصية أو امتهان مهنة أخرى شاقة قد تفضي به إلى مصير مشابه لمدير مدرسة المنيا الذي رحل شهيدًا للقمة العيش.. فسوف يظل التعليم يراوح مكانه والنتيجة مزيد من التراجع والتخلف وضياع الفرص..
بناء المدارس مهم وتطوير محتوى المناهج وطرق الامتحان مهم.. لكن الأهم أن نجد معلمًا مؤهلًا وقانعًا ومؤمنًا برسالته يتقاضى ما يكفيه وأسرته ويغنيه عن شر الدروس الخصوصية أو امتهان عمل لا يليق بورثة الأنبياء وهم العلماء أو المعلمون.. التعليم منظومة أهم عناصرها المعلم.. فقم للمعلم وفِّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولًا!