ذهب دكتور شوقي وبقي بعبع الثانوية العامة!
ما حدث منذ أيام من شكوى طلاب الثانوية من إمتحان الكيمياء يؤكد أن تعليمنا لا يزال يراوح مكانه، فلا هو جاذب، ولا هو قادر على خلق جيل قادر على الابتكار وتغيير الواقع للأفضل.. ولا هو أعاد الدور الفعال للمدرسة ولا أعاد الروح للتعليم الفني ولا هو أوقف نزيف الأسر على الدروس الخصوصية.
كنا نعتقد أن كابوس الثانوية العامة انتهى حين خرج علينا وزير التربية والتعليم السابق الدكتور طارق شوقي بمشروع تعليمي جديد يستلهم روح العصر ويعتمد على التابلت وتغيير نظم الامتحان من الاعتماد على الحفظ والاستظهار إلى الفهم والابتكار..
لكن شيئًا من ذلك لم يحدث وذهب الدكتور طارق شوقي بمشروعه الحالم وبقي بعبع الثانوية العامة على حاله سوطًا يلهب ظهور أولياء الأمر في دروس خاصة تلتهم أغلب دخولهم وامتحانات عقيمة لم تفلح في منع الغش ولا تسريب الامتحانات ولا منع أبناء الذوات من الحصول على درجات لا يستحقونها!
وفي ظني أن تلك الثانوية العامة وما يجري بشأنها كل عام من تنسيق وكليات قمة لا يحدث إلا هنا في مصر، ولا تجد له مثيلًا في أي دولة على وجه البسيطة.. مليارات الجنيهات تنفقها الأسر المصرية وهي راغمة على الدروس الخصوصية التي لا يسدد من يعطونها أي ضرائب للدولة ولا يؤدون رسالتهم التربوية الأخلاقية كما ينبغي.
تطوير التعليم
ولا نبالغ إذا قلنا إن تعليمنا بصورته التقليدية يفتقد أدنى مقومات الجودة والتطور والقدرة على إنتاج المعرفة فلا هو تربوي يبني العقول ويهذب النفوس ولا هو رياضي يبني الأجسام والأبدان بل هو رحلة عذاب تلهب ظهر كل أسرة مصرية..
حتى يصل أبناؤها للثانوية العامة ويحصلوا على مجموع بات غاية في ذاته للالتحاق بكليات قمة لا تتسع إلا لفئة قليلة أما البقية الباقية من السواد الأعظم للشعب فقد تبخرت أحلامهم بينما أبناء القادرين والأغنياء يعرفون طريقهم للكليات الخاصة التي كثر عددها وقل نفعها.
وزير التربية والتعليم السابق اعترف بأن الثانوية العامة كانت مأساة للأسر المصرية وسلة الفشل وسوف تنتهي بلا رجعة؛ وسوف تحل محلها ثانوية عامة معدلة تنهي الدروس الخصوصية وترتكز على مبدأ التدريس من أجل الفهم وليس الامتحان.. وإكساب الطالب مهارات حقيقية تجعله قادرًا على التعلم مدى الحياة..
فلن يكون هناك كتب ورقية مطبوعة، وسوف تعقد الامتحانات على التابلت بشكل إلكتروني ولن تكون الأسئلة موحدة على مستوى الجمهورية لكنها ستكون متساوية في قياسها لدرجة الفهم، بل إن الامتحان سيكون بنظام الكتاب المفتوح، ولن تطبع كتب مدرسية للصفوف الدراسية من الأول الثانوي وحتى نهاية تلك المرحلة؛ فالطلاب كلهم لديهم الأدوات الإلكترونية ويملكون القدرة على الدخول للمنصات وثمة نظام جديد للتقييم.
فماذا تحقق من وعود الوزير السابق.. هل انتهت الثانوية العامة القديمة بكل مشاكلها وتخلفها، وأنجزنا تطويرًا ضخمًا في نظام تعليمنا يحقق العدالة أو تكافؤ الفرص.. وهل نال التعليم الفني عشر ما يستحقه من اهتمام وتقدير ليضع مصر في عداد الدول الصناعية الواعدة..
أين مدارس مبارك كول التي تستلهم النموذج الألماني العملاق والذي تجني برلين من ورائه مئات المليارات من الدولارات سنويًا عوائد اقتصادية لعمالة فنية مدربة في أحدث فنون الصناعة؟!
التطوير المطلوب في رأيي لابد أن يكون شاملًا لإشباع الاحتياجات الحقيقية للدولة ويوازن بين سوق العمل والتخصصات المطلوبة ويشيد قاعدة بحث علمي على أسس براجماتية يشارك فيها القطاع الخاص الذي عليه أن يكون شريكًا للدولة في صناعة خريج أو باحث كفء ليجني ثمرة إنتاجه العلمي.
ما نحتاجه بشدة الآن هو تحرير العقول من الحفظ والاستظهار وتحريضها على التفكير والحوار والابتكار والتحليل والنقد والمبادرة وقبلها التخلص من كل أنظمة الامتحانات البالية مقبرة التعليم وسلة الفشل.. نحتاح الآن إلى وضع آليات حقيقية لقياس القدرات واكتشاف المواهب والتقاطها وتنميتها كما تفعل الدول المتقدمة.
متى تتوقف نظرية الكم في نظامنا التعليمي لتقدم المدارس والجامعات ما تحتاجه سوق العمل من كوادر تعطي قيمة اقتصادية مضافة بدلا من جحافل الخريجين في كليات نظرية وعلمية تجافي روح العصر ومقتضيات الإبداع والتحول الرقمي والمنافسة الجادة وتصر على السير عكس الاتجاه وتستنزف مقدرات الدولة وفرصها في التقدم؟!