القانون ليس بريئًا من توحش الغش؟!
قبل شهرين كتبت في هذا المكان أحذر من توحش الغش في مصر؛ وذلك إثر حادثة صدمت مشاعرنا حين ضبطت الأجهزة 5 أطنان بودرة سيراميك ومثلها من قشر وكسر الفول السوداني في مصنع لإنتاج الطحينة.. وتساءلت وقتها: هل هذه أول واقعة من هذا النوع.. وإذا كان ما تم ضبطه بكل هذا السوء فماذا عما خفي وهو بالطبع أعظم؟!
فهل توقف الغش يومًا.. والإجابة قطعًا: لا؛ فضمائر الغشاشين لا تستجدى حتى يترفقوا بالناس ويتوقفوا عن إيذائهم بإفساد أهم مقومات حياتهم؛ وهو الغذاء الذي يبني الأجسام ويشبع البطون الجائعة والدواء الذي يعالج أوجاعهم.. ومنذ ساعات ضبطت إدارة تموين الجيزة مصنع تونة يقوم بتصنيعها من قشر الجمبري والاستاكوزا.. فماذا نتوقع من معدومي الضمائر!
عقوبة الغش
واليوم نعيد طرح سؤال يتجدد: لماذا لا يتم تشديد عقوبة الغش بحسبانه جريمة ترتقى للإفساد المتعمد.. الصين مثلًا تقوم بإعدام الفاسدين حتى تقطع دابر الفساد.. أما القانون عندنا فهو للأسف يكرس للفساد ويشجع الفاسدين..
فماذا نتوقع غير مزيد من الجرائم مادامت عقوبة الغش مثلًا هى الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلع موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأي طريقة من الطرق.
الغش محرم شرعًا بل إنه يخرج صاحبه من الملة؛ لقول النبي الكريم "من غشنا فليس منا".. ثم ألا يكفى ذلك لإنزال الغش منزلة الإفساد في الأرض، ولمَ لا وهو جريمة تضر عمدًا بالمجتمع، وقد تفضي إلى تدميره وهلاكه، فلماذا لا يتحرك البرلمان لتكييف الغش بوصفه جناية تستوجب أشد العقاب..
وهنا فالشرع يقدم لنا الحل الناجح في قوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ" (المائدة:33).. لماذا نتهاون مع الغش حتى صار سلوكًا يستمرئه البعض ويتخذه وسيلة للتربح أوالترقي أو الصعود حتى ولو أنقاض البشر؟!
يقيني أن عقوبات الغشاشين والمفسدين لا تكفي لردع تلك الظاهرة التي تتوحش أكثر وأكثر في ظل ما نشهده من غلاء فاحش، ووجود أكثر من 50% من الأنشطة الاقتصادية خارج نطاق الاقتصاد الرسمي وهي ظروف تغري بالتمادي في الغش ما دامت العقوبة هزيلة لا تقطع دابر الفاسدين.. تشديد العقوبة وإظهار العين الحمراء للغشاشين الضمانة الأقوى لحماية المجتمع من هذا الفساد العظيم.. جنبًا إلى جنب التوعية الرشيدة وتقوية الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الصغار حتى يشبوا مواطنين صالحين!