نظرة على الدنيا المشتعلة!
صنفت الولايات المتحدة الأمريكية دولة الاتحاد السوفيتي، بأنها إمبراطورية الشر، وكان ذلك في عصر الرئيس رونالد ريجان الذي انتهى إلى زهايمر قبل أن يرحل. والمعروف تاريخيا أن واشنطن وتابعها أوروبا عملوا جميعهم على إنهاك الاتحاد السوفيتي داخليا.
بتشجيع حركة المنشقين ورفع شعارات حقوق الإنسان وفرض العقوبات، وخارجيا بتمويل الإرهابيين في افغانستان، سموهم المجاهدين وقتها لانهم يحاربون دولة شيوعية كافرة. هي الاتحاد السوفيتي الذي كان غزا الدولة الجبلية العنيد المستعصية على كل من احتلها!
أدت الضغوط والمؤامرات وبرامج سباق الفضاء، وبرامج التسلح الباهظة، وتفشي الفساد، إلى شيوع السخط وزيادة النزعات الانفصالية حتى تفكك إلى دول مبعثرة، تتحارب الآن بتحريض أمريكي. روسيا وأوكرانيا في حرب طاحنة بتمويل أمريكي أوروبي، ودول البلطيق الثلاث أستونيا ولاتفيا وليتوانيا... مالت غربا، وغيرها كثير.
قتل الغرب إذن الاتحاد السوفيتي، وهو في مرحلة قتل الاتحاد الروسي وتفتيته، ومع ذلك فإن الاستراتيجية الأمريكية، كالعادة، اتخذت عدوا جديدا، لأنه لابد دائما من صنع عدو جديد، والعدو هذه المرة هو الصين. اعتبرت واشنطن أن الصين عدوها لا لقوتها العسكرية، فهي في المرتبة الثالثة بعد أمريكا وروسيا، بل لأنها أغنى دولة في العالم، وصاحبة أعلى احتياطي دولاري حيث بلغ 3.205 تريليون دولار في أبريل 2023، بينما بلغ إحتياطي الدولار في أمريكا 37.6 مليار دولار في أبريل 2023.
وكالعادة، فإن الخطة دائما هى إرهاق العدو واستنزاف قدراته وتأليب العناصر الداخلية الموالية، وصنع ضغوط عسكرية وسياسية خارجية على الحدود. وكما كانت أوكرانيا عود الثقاب، فإن تايوان هي أداة واشنطن لاستفزاز بكين.
تصريحات بايدن وبلينكن
المعروف أن واشنطن تلتزم بسياسة صين واحدة، وأن تايوان أرض صينية، مثلها مثل هونج كونج المستعمرة البريطانية التى أعيدت إلى الصين في القرن الماضي، لكن واشنطن تسلح تايوان وتحمي تايوان وتستقبل وزراء ومسئولين من الجزيرة الصينية المتمردة.
في المقابل حركت بكين طائراتها وأساطيلها. وحلقت وحومت ودخلت مضيق تايوان وحاصرت الجزيرة، وأعلنت استعدادها لكل الاحتمالات، وفي الوقت ذاته لم تنفذ عقوبات الغرب على روسيا. بل تحالفت معها استراتيجيا.
التحركات الصينية جلبت الأساطيل الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، وباتت المنطقة من اليابان إلى الفلبين في قلق، بل إن الصين صنعت ما صنعه الاتحاد السوفيتي، فقد مدت قدما علي الجزيرة الكوبية بأنشطة وصفتها الخارجية الأمريكية بالمخابراتية والعسكرية بانشاء قواعد للتجسس على الأراضي الكوبية، القريبة للغاية من ولاية فلوريدا الأمريكية!
وقبل أيام زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بكين، ويمكن اعتبارها زيارة ناجحة كشفت فيها كل الأوراق، وطرحت هواجس الطرفين الأمنية، بل طلب بلينكن من بكين تهدئة زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وصواريخه، لأنه يزعج اليابان وكوريا الجنوبية بتهديداته وتجاربه الباليستية.
وفي المؤتمر الصحفي أعلن بلينكن أن بلاده لا تدعم ولا تؤيد استقلال تايوان، وهو التصريح المفتاح في ترطيب التوتر بين العملاقين الاقتصاديين، وفي الاتفاق على زيارات متبادلة وفي الاتفاق علي عدم مساعدة موسكو بأسلحة استراتيجية!
وعاد بلينكن سعيدا بنتائج جولته في بكين ليومين أمضاهما في المباحثات والحلول الوسط، ولم تمر ساعات حتى فعل بايدن فعلة الرجل العجوز.. وتطاول علي رئيس دولة الصين بوصفه بالدكتاتور، وردت الصين بأن هذه الملاحظات من بايدن سخيفة وعبثية. مستفزة، وإهانة لكرامة الصين، وتصعيدا لا مبرر له بعد محاولات الجانبين مؤخرا لخفض حدة التوتر.
ثم تأتي الحفاوة المبالغ فيها من بايدن إذ يستقبل رئيس الوزراء الهندي مودي في البيت الابيض ويعلن أن الهند عامل استقرار في منطقة المحيطين الهادي والهندي.. يستثمر الهواجس التاريخية بين دلهي وبكين !
هذه هى صورة المشهد حاليا، سباق أمريكي محموم، للحفاظ علي المركز الأول في قيادة العالم، بأي ثمن، والتكلفة البشرية باهظة، لكن واشنطن حق لها أن تحمل بجدارة لقب إمبراطورية الشر بلا منازع.